«قبلية» القوى العظمى حين تهدد العمل المناخي المجدي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتصادم صراعان عالميان وهما الحرب الباردة الثانية والحرب ضد تغير المناخ. إذ من خلال الموافقة على عقد قمة افتراضية قبل نهاية هذا العام، يشير الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أنهما يريدان منع العلاقات بينهما من التدهور إلى درجة قد يؤدي فيها سوء التقدير إلى صراع مسلح - وهو خطر سُلط عليه الضوء من خلال التوترات الأخيرة التي شهدها مضيق تايوان. ولكن يجب كذلك أن يتأكد بايدن وشي من أن التنافس بينهما كقوى عظمى لا يعيق التعاون بشأن التهديد الوجودي لتغير المناخ.

وقد مثّل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 26 في غلاسكو، فرصة كبيرة للولايات المتحدة والصين لإظهار التزامهما بمواجهة هذا التهديد. وهناك ما يبعث على الأمل. فمنذ عام 2015، عندما أسفرت قمة كوب عن اتفاقية باريس للمناخ، أصبح من المستحيل تجاهل مخاطر الاحتباس الحراري، بسبب أحر خمس سنوات سجلها التاريخ.

وفضلاً عن ذلك، وضعت كل من الولايات المتحدة والصين أهدافًا مناخية طموحة؛ بل يبدو أن قطاع الشركات أدرك مخاطر التقاعس، والفرص التي يمثلها التحول الأخضر. وقد تضطر الصين وحدها إلى إنفاق ما يصل إلى 47 تريليون دولار للوصول إلى هدفها المتمثل في أن تصبح محايدة للكربون بحلول عام 2060. وهذا قدر كبير من الاستثمار يمكن توجيهه نحو الشركات التي تقدم حلولًا مبتكرة.

ولكن، كما جادل عالم البيئة بول غيلدين قبل عقد من الزمان، لن تتطلب معالجة تغير المناخ فقط تعبئة واسعة النطاق على قدم المساواة مع تلك التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، بل تتطلب أيضًا تحولًا جذريًا في العقلية. إذ يجب أن نستبدل «إدماننا على النمو بـ«أخلاقيات الاستدامة». فقد اقتبس غيلدين كلمات الاقتصادي كينيث بولدينغ أن «أي شخص يعتقد أن النمو المتسارع يمكن أن يستمر إلى الأبد في عالم محدود إما أنه رجل مجنون أو اقتصادي».

لذلك، من المحتمل أن يحتاج متوسط النمو إلى التباطؤ. إلا أنه في الوقت نفسه، يجب أن تتغير نسبة الاستهلاك إلى الاستثمار، لأنه ستكون هناك حاجة إلى موارد ضخمة للتصدي لتغير المناخ، وكذلك لتحقيق الأهداف الاجتماعية والإنمائية الأخرى، مثل الحد من عدم المساواة.

وما يبعث على السرور هو أن الجهات الفاعلة العالمية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، تدرك بصورة متزايدة الحاجة إلى تغيير منهجي. إذ توقفت الصين بهدوء عن استهداف نمو الناتج المحلي الإجمالي، في إشارة إلى أن الاستدامة تحظى الآن بأولوية مقارنة مع السعي الأعمى لتحقيق إنتاج أعلى.

ولكن، كما اعترف غيلدين، سيكون مثل هذا التغيير في الأنظمة صعبًا للغاية، لأسباب أهمها أن النمو مرتبط حاليًا بخطط الربح، وعقود الديون، والقرارات المتعلقة بالاستهلاك، والسياسات العامة. إن التحول من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب يزيد من تعقيد الموقف، لأنه لا توجد قوة بمفردها يمكنها تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات صعبة بشأن العمل العالمي.

وإذا أضفنا إلى ذلك منطق المحصل الصفري لحرب باردة جديدة، يصبح التغيير المنهجي شبه مستحيل. ويجعل تزايد القبلية هذه النتيجة مرجحة. فعلى سبيل المثال، تنظر الصين إلى مخاوف الولايات المتحدة بشأن تدخلاتها في شينجيانغ، والتبت، وهونغ كونغ، وتايوان على أنها ليست أكثر من محاولة لتقويض سيادتها. إن تحويل الموارد من معالجة أوجه المساواة على الصعيد المحلي إلى السعي وراء سباق التسلح هو رد قبلي.

وإلى جانب تأجيج المنافسة بين القوى العظمى، جعلت القبلية المفاوضات العقلانية أصعب على المستويين الوطني والمحلي. ولاحظ إيمي تشوا، وروبن إي بريجتي الثاني وآخرون، أن القبلية أدت إلى كسر السياسة الأمريكية، مما أدى إلى تأجيج الاستقطاب الاجتماعي، وأدى إلى الجمود في العديد من القضايا الملحة. ومن الأمثلة على ذلك تأثر خطة إدارة بايدن البالغة قيمتها 5.4 تريليونات دولار. فعندما يتعلق الأمر بالعمل المناخي، يصبح الجمود على المستويين الوطني والعالمي كابوساً.

ولنفهم كيف نتصدى للقبلية، يجب علينا أولاً أن نفكر لماذا تزداد ترسخاً. فقد أدت حملة إنهاء الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الكتلة السوفيتية بعد عام 1989 إلى مضاعفة عدد الدول ذات السيادة من أكثر من 100 دولة في عام 1945 إلى ما يقرب من 200 بحلول عام 2020. وبين عامي 1950 و2018، تضاعف عدد سكان العالم ثلاث مرات. وبينما تضاعف دخل الفرد أكثر من أربعة أضعاف، لم توزع المكاسب بإنصاف- بل حصل العكس.

وفي عام 2018، امتلكت أكبر 2000 شركة عامة في العالم أصولاً بقيمة 189 تريليون دولار- 2.2 ضعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وكانت قيمتها السوقية 56.8 تريليون دولار- ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي. واليوم، يمتلك أغنى 26 شخصًا في العالم ثروة تعادل ما يمتلكه النصف الأفقر من سكان العالم. ونظرًا لأن الأغنياء قد حصلوا على حصة متزايدة من الدخل والثروة والسلطة والامتيازات، تراجع ركود دخل أسر الطبقة المتوسطة والعاملة في العديد من الأماكن.

وأدى تزايد عدم المساواة وانعدام الأمن الاقتصادي إلى تأجيج الإحباط الشعبي، مما ساهم في صعود الحركات السياسية القبلية في جميع أنحاء العالم. إن جزءاً كبيراً من العالم عالق الآن في حلقة مفرغة من الاستقطاب الاجتماعي، والتدهور البيئي، والصراع الأهلي.

وبالنظر إلى هذه الحالة، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس العام الماضي، فإن عدم المساواة هي القضية الحاسمة في عصرنا، وأي جهد للتصدي لتغير المناخ يجب أن يبنى على مبادئ العدالة. والواقع أنه من أجل التغلب على المقاومة القبلية للإجراءات السياسية، سيتعين على البلدان المضي قدمًا والتفاوض بشأن عقد اجتماعي جديد وتقديمه.

والسؤال الآن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة المنقسمة قبلياً يمكنها الموافقة على أي قواعد للارتباط مع الصين.

وفي حين أن القبلية تعيق التقدم على المستويين الوطني والعالمي، فإن العديد من المدن والمجتمعات الصغيرة تتولى زمام الأمور بنفسها، أحيانًا بتمويل خاص. وهذا بالتأكيد موضع ترحيب، وهو شهادة على قيمة القيادة المحلية القوية. ولكن التغلب على تحدٍ مثل تغير المناخ سيتطلب أيضاً سياسات وطنية وعالمية فعالة.

وسيكون التفاوض بشأن عقد اجتماعي جديد عملية طويلة وصعبة. ولكن من الضروري التصدي للقبلية، وتجنب مستقبل تتصارع فيه القوى العظمى ويتعرض لتغير مناخي جامح.

 

* زميل متميز في معهد آسيا العالمي وعضو في المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن التمويل المستدام.

** رئيس معهد هونغ كونغ للتمويل الدولي، وأستاذ ومدير معهد السياسة والممارسة في معهد شنجن المالي في الجامعة الصينية بهونغ كونغ، شنتشن.

opinion@albayan.ae

Email