بولندا..مدارات الخروج من الاتحاد الأوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كان حلم بولندا الأكبر الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي.

بعد الندوب التي خلّفتها النازية والشيوعية على حياتهم، كان البولنديون يتوقون إلى بداية جديدة، وأصبحت عضوية حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي غاية سمت فوق السياسة.

اعـتُـبِـرَت عضوية الاتحاد الأوروبي هدفاً على قدر عظيم من الأهمية حتى أن الليبراليين البولنديين امتنعوا بوضوح عن تناول القضايا المسببة للخلاف والشقاق المتعلقة بالتاريخ البولندي أو الكنيسة الكاثوليكية.

وحتى البابا يوحنا بولس الثاني (وهو بولندي) شارك في الأمر، رافعاً شعار «من اتحاد لوبلين إلى الاتحاد الأوروبي» في إشارة إلى معاهدة 1569 التي أبرمت بشأن توحيد بولندا ودوقية ليتوانيا الكبرى. وفي عام 2003، صَـوَّتَ أكثر من ثلاثة أرباع البولنديين لصالح الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي.

بعد مرور ثمانية عشر عاماً، أصبحت نسبة التأييد البولندي لعضوية الاتحاد الأوروبي قريبة من 90%.

وعلى هذا فإن الاتحاد الأوروبي يتمتع بتفويض ديمقراطي أقوى من كل ما نالته أي حكومة بولندية من تفويض منذ عام 1989، وهو ما يرجع في الأساس إلى عاملين:

الأمن القومي والاقتصاد. يُـنـظَـر إلى الاتحاد الأوروبي على نطاق واسع على أنه الضامن للاستقلال البولندي، الذي ظل مهدداً لقرون عدة من قِـبَـل الطموحات الإمبريالية الروسية.

يعتمد البولنديون إلى حد كبير على الاتحاد الأوروبي في ما يتصل بالتنمية الاقتصادية. في عام 1989، كان نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا أعلى من نظيره في بولندا.

اليوم، أصبح نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا (على أساس تعادل القوة الشرائية) 13060 دولاراً، في حين بلغ في بولندا 34265 دولاراً. ولو اتبعت بولندا المسار الأوكراني، لكان أداؤها الاقتصادي الحالي عند المستوى ذاته الذي كان عليه في عام 2001.

الواقع أن الاتحاد الأوروبي لديه كل الأسباب للشعور بالقلق إزاء الإصلاحات غير الليبرالية والمناهضة للديمقراطية التي نفذتها حكومة حزب القانون والعدالة في بولندا طوال السنوات الست الأخيرة.

بحكم تصميمها، يحتل عدد كبير من الساسة المنتمين إلى حزب القانون والعدالة مقاعد المحكمة الدستورية، بما في ذلك ستانيسواف بيوترويتش وكريستينا بافوفيتش، اللذان توليا إعداد الإصلاحات القضائية التي نفذتها الحكومة، واللذان وصفا عَـلَـم الاتحاد الأوروبي ذات مرة على أنه «خِـرقة من قماش».

تقدم رسائل البريد الإلكتروني المسربة من السكرتير الأول، اليد اليمنى لرئيس الوزراء ماتيوز موراوسكي، دليلاً قوياً على أن حزب القانون والعدالة يسيطر بشكل مباشر على جوليا برزينبسكا، رئيسة المحكمة.

في الرسائل المسربة، يتحدث ساسة ينتمون إلى حزب القانون والعدالة عن اجتماعاتهم مع برزينبسكا، التي ناقشوا خلالها التعيينات القضائية وغير ذلك من القرارات.

لهذا، من المنطقي أن نفترض أن قادة حزب القانون والعدالة أملوا القرار الصادر عن المحكمة الذي قضى برفض أولوية قانون الاتحاد الأوروبي.

أوضحت المفوضية الأوروبية أن بولندا يجب أن تتراجع عن قرارها حتى يتسنى لها تلقي أموال الاتحاد الأوروبي. لكن حكومة حزب القانون والعدالة تمادت في غيها. وفقاً لرئيس بنك بولندا الوطني آدم جلابينسكي: «سنتدبر أمورنا على خير ما يرام من دون أموال الاتحاد الأوروبي».

لكن لماذا تقامر الحكومة بخطتها لإعادة البناء؟ يتلخص أحد العوامل في القرار الأخير الذي اتخذته مجموعة من النواب بقيادة ياروسواف جوين بالانسحاب من الائتلاف الحاكم. وهكذا، أصبحت الحكومة أكثر اعتماداً على مجموعة من النواب يقودها وزير العدل زبيجنيو زيوبرو، الذي يعارض بشدة أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.

على الجانب الآخر، نجد المعارضة بقيادة زعيمها الجديد دونالد تاسك، رئيس وزراء بولندا الأسبق ورئيس المجلس الأوروبي سابقاً. تتمثل استراتيجية تاسك في نشر حقيقة مفادها أن حزب القانون والعدالة يوجه البلاد نحو «الخروج البولندي».

ويبدو أن رسالته بدأت تستقر في أذهان الناس. من الصعب أن نجزم بما قد تفعله الحكومة الآن. لقد حصرت نفسها في الركن مع حكم المحكمة الدستورية، فحرمت نفسها من الأموال التي تحتاج إليها لدعم فرصها في انتخابات 2023. وبات من الممكن على نحو متزايد أن يكون حزب القانون والعدالة على استعداد للتضحية ليس فقط بأموال الاتحاد الأوروبي بل وحتى بعضوية الاتحاد الأوروبي، لمجرد التشبث بالسلطة.

* سوافمير سييراكافسكي مؤسِّس حركة «كريتيكا بوليتيكانا»، ومدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو.

 

Email