الأحداث الرياضية والصراعات السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُدرك الأنظمة السياسية في جميع أنحاء العالم أن الرياضة يمكن أن تعزز الهوية الوطنية، وأن الألعاب الأولمبية، على وجه الخصوص، يمكن أن تعطي للدول مكانة على الساحة الدولية.

إذ لطالما استخدمت الحكومات الألعاب الأولمبية لتقول لمواطنيها، «لقد نجحنا». وقد تجلى ذلك أخيراً في ألعاب طوكيو الاولمبية وما تردد من سجالات سياسية وأصداء رياضية مرتبطة بالفوز والمنافسات السياسية الدولية.

فعديد الدول تتنافس بالرياضة كما تفعل بالسياسية. وربما من الجدير هنا ان نستعيد مفاصل وقصصاً تاريخية مهمة.

ففي عام 1936، استغل هتلر تماماً الألعاب الأولمبية التي نُظمت في برلين، وهي المدينة التي اختيرت لاستضافة الألعاب في عام 1931، قبل عامين من وصول الاشتراكيين الوطنيين إلى السلطة.

وفي عام 1964، استخدم اليابانيون أولمبياد (طوكيو) للإشارة إلى إعادة تأهيلهم الكامل بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي ثمانينيات القرن العشرين، أصبحت الألعاب الأولمبية بمثابة كرة القدم في الحرب الباردة، حيث قاطعت الولايات المتحدة ألعاب موسكو عام 1980، وقاطع السوفييت دورة ألعاب لوس أنجليس عام 1984.

إن القيمة السياسية للألعاب هي أحد الأسباب التي تجعل الحكومات على استعداد لدفع الكثير لاستضافتها. فقد أنفقت الصين 40 - 44 مليار دولار لاستضافة أولمبياد بكين الصيفية لعام 2008.

وكانت آنذاك أكثر دولة تنفق على الألعاب في التاريخ. ثم تجاوزتها روسيا، التي أنفقت ما يقدر بنحو 50 مليار دولار لاستضافة أولمبياد سوتشي 2014. وفي الفترة ما بين تحطيم الأرقام القياسية في الإنفاق وضم شبه جزيرة القرم في العام نفسه، ارتفعت معدلات تأييد الرئيس (الروسي فلاديمير بوتين) على النحو الواجب.

ولا شك أن الأحداث الرياضية الدولية يمكن أن تضخم الجوانب السلبية للقومية، كما حدث في ألعاب برلين عام 1936.

إذ في الماضي، كانت الألعاب تُذَكر أيضاً الأشخاص الذين عاشوا تحت الاحتلال بسيادتهم المفقودة. وحتى عام 1924، كان بإمكان الرياضيين البولنديين الفوز بالميداليات فقط من خلال تمثيل دول أخرى.

وعلى مدى أجيال، اضطر الرياضيون من الجمهوريات التي تم ضمها إلى الاتحاد السوفييتي، مثل دول البلطيق، وأوكرانيا، إلى تمثيل الاتحاد السوفييتي أو الانسحاب من المنافسة.

ولكن المشاعر المستوحاة من الأحداث الرياضية الدولية ليست كلها سيئة. إذ يمكن للرغبة الجماعية في الفوز أن تخفف من التمييز ضد الأقليات.

كما حدث عندما اعترفت المؤسسة الأمريكية بمواهب (جيسي أوينز)، الذي فاز بأربع ميداليات ذهبية في سباقات المضمار والميدان في أولمبياد برلين، مما ألهم أجيالاً من الشباب الأمريكيين السود. وتوفر المسابقات الرياضية أيضاً فرصاً لبلد جديد حتى يرسخ شعوره بالروح الوطنية.

والنقطة الأخيرة هي أن الأحداث الرياضية الدولية توفر أيضاً فرصاً فريدة لغرس روح الوطنية في البلدان التي تعاني من انقسامات داخلية. ومن المؤكد أنه رغم أن اللجنة الأولمبية الدولية تعترف بـ206 لجان أولمبية وطنية، فإن 14 دولة فقط مثلت ما يقرب من نصف الرياضيين الـ 11326 المشاركين في ألعاب طوكيو.

وتنتمي جميع هذه البلدان الـ14إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، باستثناء الصين، وروسيا، اللتين تتمتعان بالمرتبة الثانية والحادية عشرة من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العالم. وليس من المستغرب أن تهيمن البلدان الأربع عشرة نفسها على عدد الميداليات ودورة الأخبار.

ومع ذلك، فإن الألعاب تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للبلدان الـ192 الأخرى التي بالكاد نسمع عنها شيئاً.. إذ توفر الألعاب المصادقة والوحدة الوطنية، ومن ثم، فرصة لبناء الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

* أستاذة في كلية كيلوغ للإدارة بجامعة نورث وسترن، والمديرة المؤسسة لمختبر الاقتصاد الصيني

 

Email