نحو لجنة عالمية تقود مواجهة مخاطر تداعيات الجائحة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يُشير الفشل المُركب والمتعدد في مواجهة الجائحة، على صعيد ردعها ومنع انتشارها وكذا تعميم اللقاحات عاليماً وضعف استثمار الدول الغنية في الصدد، بجانب تأخر تمويل الاستجابة، إلى الحاجة إلى مرفق التمويل الدولي للتأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها. كما بينت التوصيات النهائية للجنة المُستقلة العالمية المعنية بالتأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها، إذ يجب أن تتمتع هذه الآلية بالقدرة على حشد مساهمات طويلة الأجل (10-15 سنة) بحوالي 5-10 مليارات دولار سنويًا لتمويل التأهب المُستمر وإنفاق ما يصل إلى 100 مليار دولار في وقت قصير من خلال الالتزامات المستقبلية المُسبقة في حالة الإعلان عن حدوث الجائحة. يمكن توفير مثل هذا التمويل عن طريق إصدار سند اجتماعي مقابل الالتزامات المستقبلية، مثلما فعل مرفق التمويل الدولي للتحصين (IFFIm) فيما يتعلق باللقاحات.

نحن لا نقترح إنشاء وكالة تنفيذية جديدة. بدلاً من إنشاء «صندوق عالمي لمواجهة الأوبئة» يعمل إلى جانب الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، فإننا نتصور وسيلة تمويل إضافية يمكنها تخصيص الأموال للمؤسسات القائمة - مثل الصندوق العالمي والتحالف العالمي للقاحات والتحصين (جافي). في النهاية، يتمثل الهدف في دعم المنافع العامة العالمية المتعلقة بالتأهب: أنظمة المراقبة، والبحث والتطوير، وبروتوكولات الاستجابة السريعة (للسماح بحدوث ارتفاع في نسبة القوى العاملة في المجال الصحي، والتواصل العام الفعّال، والمشتريات المُجمعة للإمدادات الأساسية).

من المؤكد أن الفجوات في التمويل لم تكن الفشل الوحيد، أو حتى الرئيسي، الذي سمح بانتشار وباء فيروس كورونا المُستجد بأن يصبح كارثة عالمية. إذا كان هناك عامل واحد ينبغي إلقاء اللوم عليه، فهو الافتقار إلى القيادة السياسية على أعلى مستويات الحكومة الوطنية والنظام الدولي. ولكن هنا أيضًا يُعد مرفق التمويل المُخصص جزءًا من الحل.

سيُشرف على المرفق الذي نقترحه مجلس عالمي لمكافحة التهديدات الصحية، وهو عبارة عن هيئة متعددة الأطراف ومُتعددة القطاعات مُصممة لرفع مستوى التأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها إلى أعلى مستويات النظام الدولي. سيُكلف المجلس، بقيادة رؤساء من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجموعة العشرين، بالحفاظ على الدعم السياسي للتأهب والاستجابة، ورصد التقدم نحو تحقيق الأهداف العالمية، ومساءلة صُناع القرار.

منذ اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في أغسطس 2019، أسفر فيروس كورونا عن وفاة ما يقارب ال 4 ملايين شخص وخسائر اقتصادية من المتوقع أن تصل إلى 22 تريليون دولار بحلول عام 2025 - وهي أزمة اقتصادية أكبر بنسبة 80٪ من تلك التي أعقبت الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وقد أثارت كل من هذه الأحداث الكارثية تعددية الأطراف الجريئة والفعالة التي جعلت العالم أكثر أمانًا وازدهارًا بعد ذلك. تحظى مجموعة السبع الآن بفرصة لإظهار نفس النوع من القيادة في مؤتمر القمة المُنعقد في كورنوال في نهاية هذا الأسبوع.

وبصفتها الرئيس الحالي لمجموعة السبع، تأمل المملكة المتحدة في قيادة الانتعاش العالمي من الركود الناجم عن انتشار فيروس كوفيد 19 بطريقة تعزز قدرة العالم على مواجهة الأوبئة في المستقبل. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف المزيد من الحوافز المالية، ولكنه يتطلب أيضًا تمويلًا وإصلاحات أوسع نطاقاً. يتعين على قادة اليوم معالجة أوجه القصور المحددة لجهود تمويل الجائحة في الماضي من خلال ربط الاستثمارات طويلة الأجل في التأهب بآليات التمويل السريع في المراحل المبكرة.

لقد أكد الدمار الناجم عن أزمة فيروس كورونا ما قاله الخبراء منذ سنوات: إن أنظمتنا الوطنية والإقليمية والعالمية غير كافية إلى حد كبير لاكتشاف واحتواء الأوبئة. هناك حاجة إلى استثمار مليارات الدولارات لتجنب المزيد من الخسائر التي تُقدر بتريليونات الدولارات والمعاناة البشرية التي لا توصف في المستقبل.

هناك الكثير من المقترحات حول كيفية تمويل عملية التأهب للجائحة. ولكن ما لم يتم تنفيذ خطط وأنظمة التأهب بسرعة وعلى نطاق واسع عند تفشي الوباء، فلن نكون قد حققنا المستوى اللازم من المرونة. ومن خلال عملنا مع اللجنة المستقلة المعنية بالتأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها (IPPR)، قمنا بمراجعة التاريخ الحديث لتمويل الجائحة ووجدنا أن النظام الحالي كان بطيئًا للغاية في تعبئة الموارد خلال الأشهر الأولى الحاسمة من الاستجابة لفيروس كوفيد 19.

بعد شهر واحد من صدور بيان منظمة الصحة العالمية، في بيان لها في 30 يناير 2020، حيث أعلنت أن فيروس كوفيد 19 يُعد حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا، خصص صندوق الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية والصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة ما مجموعه 23.9 مليون دولار فقط.

وحتى بعد ثلاثة أشهر، لم يتلق التمويل سوى 5٪ من خطة الاستجابة الإنسانية العالمية التي وضعتها الأمم المتحدة (في ذلك الوقت) البالغة 6.71 مليارات دولار. وعلاوة على ذلك، فقد استغرق الأمر ثلاثة أشهر منذ إعلان منظمة الصحة العالمية لأدوات التأمين وسوق رأس المال التابعة للبنك الدولي لكي تبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة.

علاوة على ذلك، عندما بدأ التمويل الكبير في التدفق، تم توجيه جزء كبير منه نحو استراتيجيات مُتسرعة ومُجزأة. لم يكن مطلوبًا من البلدان المؤهلة تحديد كيفية استخدام أموال الاستجابة قبل حالة الطوارئ، ولم يكن ذلك بسبب الرقابة التنفيذية بقدر ما يرجع إلى وجود عيب أساسي في التصميم. تكمن المشكلة في التجزؤ بين صناديق التأهب ومرافق تمويل «الاستجابة السريعة»، ولكل منها ترتيباتها الإدارية وأطر التخطيط ومعايير التمويل الخاصة بها.

يُعد الجمع بين الاستعداد والاستجابة السريعة من بين الأمور الأساسية في هذا النموذج - وكلاهما سيخضع لحكم مجلس عالمي موحد يديره مرفق متكامل، ويتم تمويله من خلال أداة واحدة. بفضل هذا الهيكل أنه بمجرد اكتشاف تفشي المرض، يمكن توجيه تمويل الاستجابة بسلاسة من قبل نفس الهيئة المسؤولة عن التخطيط والمراقبة والحفاظ على الاستعداد. من شأن تمويل كلا الجهدين من خلال أداة واحدة - عقد تمويل طويل الأجل - أن يقلل من حجم الأموال المُتعثرة/‏الخاملة ويضمن استمرار المشاركة السياسية بين الأزمات.

* وزير الخارجية البريطاني السابق وعضو اللجنة المستقلة للتأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية.

* محاضرة في علم الأوبئة بجامعة كولومبيا، وزميلة في مجلس العلاقات الخارجية للشؤون الدولية في معمل «Airbel Impact Lab». رئيس قسم التمويل المبتكر في لجنة الإنقاذ الدولية.

Email