أوروبا وفن البقاء قوة عالمية

كليمنس فويست

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما تكون حصة أوروبا في الاقتصاد العالمي في تراجع، لكن الاتحاد الأوروبي يظل يشكل قوة اقتصادية كبرى تتمتع بروابط وعلاقات قوية مع بقية العالم. وإذا تحول سعيه إلى اكتساب الاستقلالية الاستراتيجية إلى اندفاع في اتجاه سياسات الحماية أو حتى الاكتفاء الذاتي، فإنه يجازف بخسارة مكانته هذه. وإذا حدث هذا، فسوف تصبح أوروبا ضعيفة حقاً.

عندما يتعلق الأمر بالنمو الاقتصادي، كانت أوروبا متأخرة عن غيرها من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم ــ الولايات المتحدة والصين ــ لبعض الوقت. ليس من المستغرب إذاً أن يشهد ثِـقَـل القارة النسبي في الاقتصاد العالمي انحداراً سريعاً. تُـرى إلى أي مدى قد تُـضـعِـف هذه الحال الاتحاد الأوروبي، وماذا يجب أن يفعل قادة الاتحاد الأوروبي حيالها؟

بعد مرور ثلاثين عاماً، أصبح الاتحاد الأوروبي، إلى جانب المملكة المتحدة، يمثل %16 من الناتج العالمي، متقدماً بقليل على الولايات المتحدة التي تمثل 15%. كان التحول الكبير في موقف الصين، التي تجاوزت نظيراتها الغربية، بحصة بلغت %18.3.

ومن المنتظر أن تُـفضي جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) إلى تسريع اتجاهات نمو محددة. فعلى الرغم من الركود لفترة وجيزة، أصبحت الولايات المتحدة في طريقها لتجاوز مستويات الناتج السابقة للأزمة في عامنا هذا. الأمر الأكثر إبهاراً هو أن الناتج الاقتصادي الصيني قد يكون أعلى بنحو 10% في عام 2021 مقارنة بما كان عليه في عام 2019. في المقابل، لن يعود الاتحاد الأوروبي إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي السابقة للأزمة حتى عام 2022 على أقرب تقدير.

من حيث المبدأ، يُـعَـد التعافي القوي في الصين والولايات المتحدة من الأخبار السارة لأوروبا؛ إذ تستفيد الصناعة في الاتحاد الأوروبي، وخاصة في ألمانيا، من الطلب القوي من أكبر اقتصادين في العالم.

بطبيعة الحال، كانت النظرة إلى اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة ــ وخاصة في المسائل الأمنية ــ أقل انتقاداً. مع ذلك، وكما أوضح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ينطوي هذا الميل أيضاً على مخاطر كبرى. الواقع أن الدعوات الموجهة إلى أوروبا لزيادة «استقلاليتها الاستراتيجية» ــ أي تقليل اعتمادها على القوى الخارجية ــ كانت في ارتفاع مستمر.

لكن ليست كل أشكال الاتكالية متساوية؛ فلا تخلو تلك التي تسير في اتجاه واحد من مشكلات حقيقية. يتطلب تحديد أي من أشكال الاتكالية الاقتصادية من جانب الاتحاد الأوروبي تناسب هذه الفئة تحليلاً أكثر دقة مما جرى حتى الآن.

فعلياً، تستثمر الشركات الأوروبية في الصين أكثر مما تستثمره الشركات الصينية في أوروبا بفارق كبير، على الرغم من الضوابط التنظيمية الأكثر صرامة. ويبدو أن المخاوف الرئيسية تتعلق بأنماط الاستثمارات التي تزاولها الشركات الصينية في أوروبا.

إذا اشترى مستثمرون صينيون شركة موانئ أوروبية، فهل يصبح الأوروبيون معتمدين على الصين؟ ليس بالضرورة. على العكس من ذلك، نظراً للأهمية البالغة التي تتسم بها مرافق الموانئ، فمن السهل نسبياً أن تخضعها الحكومة الوطنية لسيطرتها، أو حتى تصادرها، إذا ارتأت أن المشغلين يخالفون واجبهم في إدارتها على النحو الصحيح.

يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يدرس بعناية أيضاً الخيارات المتاحة في القيام بذلك. قد لا يكون الإقلال من المشاركة هو الحل. في الواقع، ربما يتسنى لأوروبا موازنة الكفتين ــ أو حتى ترجيح إحداها لصالحها ــ من خلال تعميق العلاقات.

 

* رئيس معهد آيفو للبحوث الاقتصادية (Ifo Institute)، وأستاذ الاقتصاد في جامعة ميونيخ.

opinion@albayan.ae

Email