فرصة تاريخية لحزب الـخُضر الألماني

مارك ليونارد

ت + ت - الحجم الطبيعي

قَـدَّمَ سيجموند فرويد صورة مناسبة لألمانيا اليوم، عندما وصف المرضى الذين «حطمهم النجاح». ولكن ربما وجدت ألمانيا في الـخُـضر العلاج لهذا البلاء.

قد يبدو من الغريب أن يدخل حزب ذو أصول وتطلعات ثورية السباق على منصب المستشارية على وعد بالإصلاح الحكيم المتوازن. ولكن هذا هو ما يحدث عندما يكون أي حزب جاداً في التعامل مع الحكم فعلياً، وليس الاستمرار في تنظيم الحملات من الخطوط الجانبية إلى الأبد. من وقتنا هذا إلى أن يحين موعد الانتخابات الفيدرالية في سبتمبر، قد يحدث الكثير. ولكن لم يسبق من قَـبـل قَـط أن بدأ الـخُـضر حملة انتخابية انطلاقاً من مثل هذا الموقف القوي.

في السنوات الخمسين الأخيرة، شهدت ألمانيا ثلاث معجزات. فقد تحولت، وهي التي استحقت ذات يوم وصف «رجل أوروبا المريض»، إلى واحدة من كبريات الدول المصدرة. كما تغلبت على ماضيها. وأقامت اتحاداً سياسياً واقتصادياً أصبح فيه أعداؤها السابقون أصدقاء. والآن بدأ العالَـم المريح الذي صاغته هذه المعجزات يتهاوى، تاركاً الحزب الحاكم الحالي في ألمانيا، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في حالة من الارتباك الشديد والشلل.

الواقع أن الألمان، الفخورين بحق بما أنجزوه، كارهون لفكرة تلقي الدروس من غيرهم من الأوروبيين، وخاصة أولئك الذين يبدو أنهم أساؤوا إدارة شؤونهم. ولكن في هذه السنة الانتخابية الحاسمة، بدأت طريقة «التخبط الناجح» التي تميزت بها المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل تُـظـهِـر علامات الإجهاد. ومع انقسام حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري، حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، حول من يجب أن يخلفها، تسنح على نحو مفاجئ فرصة تاريخية لحزب الـخُـضر.

في حين تجاوز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/‏‏ الاتحاد الاجتماعي المسيحي ناخبيه باختيار زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أرمين لاشيت مرشحاً لمنصب المستشار، رَشَّـحَ حزب الـخُـضر زعيمة الحزب المشاركة النشطة ذات الأربعين ربيعاً، أنالينا بربوك، للمنصب. في بلد شديد المقاومة للتغيير، تَـعِـد بربوك بالإصلاح من دون انقطاع ــ وهي ثورة مخملية ناعمة. على حد تعبير حزب الـخُـضر في مسودة برنامجهم الانتخابي: «سوف نأتي ببعض التقاليد الحسنة للدفع بطرائق جديدة، وترسيخ بعض الأشياء، واستبدال الأشياء المألوفة. ولكننا سنخلق الأمن في العملية الانتقالية».

من المؤكد أن حزب الـخُـضر نجح في إصلاح ذاته. فقبل وقت ليس ببعيد، كان يُـعَـد حزباً «تـحريمياً» اشتهر بتوبيخ الألمان وإلقاء المحاضرات عليهم حول فضائل العيش على النباتات. وهو الآن الحزب الأكثر تجسيداً للتفاؤل بما يمكن أن تكون عليه ألمانيا.

يدرك الـخُـضر أن الطريقة الوحيدة الكفيلة بتمكين صناعة السيارات الألمانية من البقاء تتلخص في التركيز على السيارات الخالية من الانبعاثات؛ وبالتالي، يقدم الحزب خطة لجعل ألمانيا رائدة على مستوى العالم في إنتاج خلايا الطاقة. كما تخلى الـخُـضر عن التشكك اليساري التقليدي في الوطنية. ويمكن ترجمة عنوان مسودة برنامج الحزب الانتخابي تقريباً كالتالي: «ألمانيا لديها كل شيء». ألمانيا لديها كل ما تحتاج إليه لمواجهة تحديات المستقبل. في مقابلة هاتفية، أكد زعيم الحزب السابق جيم أوزديمير الحاجة إلى الانخراط في مناقشات حول الهوية الوطنية.

من جانبها، تأمل برانتنر أن تتمكن ألمانيا من التغلب على «كذبتين متواصلتين عبر الأجيال» تستند إليهما سياستها في التعامل مع أوروبا. تتمثل الكذبة الأولى بأن ألمانيا قادرة على التركيز على الاقتصاد فقط، في حين تتجاهل الاستثمار في الأمن. يدرك الـخُـضر اليوم أن موقف ألمانيا أصبح محفوفاً بالأخطار على الرغم من عقود من النجاح اللافت للنظر. فبينما تتصارع الصين وأمريكا، أصبحت العولمة مهددة بالانقلاب في الاتجاه المعاكس ــ وهذا في وقت تتفوق الثورة الرقمية على مواطن القوة الاقتصادية التقليدية التي تتمتع بها ألمانيا.

* مؤسس مشارك ومدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

opinion@albayan.ae

Email