بايدن وسياسة «التجاهل الحميد»

سلافومير سيراكوفسكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ان الرئيس الأمريكي جو بايدن لديه معرفة جيدة ببولندا وأوكرانيا فلقد تعلم من عمله عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عقوداً ومن عمله الذي استمر ثماني سنوات نائب رئيس في فترة رئاسة باراك أوباما أن هذين البلدين هما من بين أصدقاء وحلفاء أمريكا الأكثر إخلاصاً ومع ذلك فلقد انتظر حتى 2 أبريل للاتصال بالرئيس الأوكراني علماً أنه لم يتصل حتى الآن بنظيره البولندي.يبدو أن الصمت النسبي لبايدن يعكس سياسة «التجاهل الحميد» وهو مصطلح اخترعه ديفيد باتريك موينيهان عندما عمل مستشاراً للسياسات المحلية للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وبينما أراد موينيهان تجنب أن يصبح نيكسون متورّطاً في القضايا العرقية في أمريكا، فإن قرار بايدن الابتعاد عن بولندا وأوكرانيا قد يبدو مفاجئاً، وفيما تنزلق بولندا من كونها دولة ديمقراطية ليبرالية إلى دكتاتورية شعبوية، فإن أوكرانيا تحاول يائسة أن تعزّز من ديمقراطيتها على الرغم من التدخلات والتهديدات الروسية المستمرة.

بالإضافة إلى ذلك فحتى حكومة بولندا غير الليبرالية ما تزال تحاول أن يكون وضع البلاد كما لو كانت الولاية الواحدة والخمسين لأمريكا بحيث تلعب السفارة الأمريكية في وارسو دوراً يشبه الدور الذي كانت تلعبه السفارة السوفييتية قبل سنة 1989 وفي رئاسة دونالد ترامب فإن اتصالاً أو تغريدة واحدة من السفيرة الأمريكية لدى بولندا آنذاك جورجيت موسباتشير كانت كافية لجعل حزب القانون والعدالة في بولندا يعلق خططه بإغلاق وسائل الإعلام الناقدة مثل شبكة التلفزيون الخاصة تي في ن 24.

ولكن وعلى الرغم من أن انتصار بايدن لقي ترحيباً في أوكرانيا، فلقد كان على الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن ينتظر شهرين قبل أن يتصل به بايدن (إن ردة الفعل الرسمية في بولندا كانت أكثر صمتاً فبعد أن تملّق الرئيس البولندي اندرجيه دودا ترامب مدة أربع سنوات كان من أواخر القادة الأجانب الذين هنأوا بايدن).

إن فتور بايدن تجاه البلدين يجب عدم تفسيره تغييراً في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة إذ أكد بايدن مراراً وتكراراً – بما في ذلك في محادثة مع بوتين - أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تعترف مطلقاً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم وفي واقع الأمر فإن بايدن قام بتأخير مكالمته مع زيلينسكي على وجه التحديد لأنه يعرف أوكرانيا جيداً.

يدرك بايدن أن الإصلاحات التي تستهدف الفساد هي مفتاح بقاء أوكرانيا بلداً ديمقراطياً مستقلاً ومن دون تلك الإصلاحات فإن الأوليغارشية الأوكرانيين – وبعضهم لديه علاقات وثيقة بالكرملين - يمكنهم وبكل بساطة أن يسرقوا المساعدات المالية وحتى العسكرية المقدمة لأوكرانيا ومن خلال إظهار الإهمال الحميد فإن بايدن يكون بذلك قد حاول تحفيز زيلينسكي على التحرك بمفرده ضد الأوليغارشية.

ولغاية الآن يبدو أن هذه الاستراتيجية قد بدأت تؤتي ثمارها. إن السياسة الخارجية في بولندا تحت ظل حكم حزب القانون والعدالة هي في نهاية المطاف تعد جزءاً من السياسة المحلية وبينما ينخفض الدعم الشعبي لحزب القانون والعدالة فإن أعداداً أكبر بكثير من البولنديين قد يتساءلون لماذا حتى نصيرهم الأمريكي يبتعد عنهم؟

* مؤسس حركة «كرايتايكا بوليتيسزنا» ومدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو .

opinion@albayan.ae

Email