الإرهاب وعودة طالبان

براهما تشيلاني - أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسيات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين.

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل أفغانستان أحد أهم الاختبارات المبكرة للرئيس الأمريكي جو بايدن، فقد رأينا طالبان تُصعّد حملتها من الاغتيالات والهجمات الإرهابية، منذ التوصل لاتفاق مع إدارة دونالد ترامب نص على تقاسم السلطة في كابول وانسحاب أمريكي كامل بحلول الأول من مايو.

ولن يقتصر المسار الذي ستتخذه سياسات بايدن على تقرير مصير أفغانستان فحسب، بل سيؤثر أيضاً على أمن الإقليم، والحرب العالمية على الإرهاب، ووضع أمريكا الدولي، في وقت أمسى ما أصاب هذا الوضع من تدهور نسبي جلياً لا يخفى على أحد.

عادت الولايات المتحدة إلى نقطة البداية في فبراير من العام الماضي، عندما وَقَّـع ترامب، الساعي للفرار من الميدان الأفغاني، اتفاقية «سلام» مع الميليشيا الإرهابية ذاتها، التي أطاحتها الولايات المتحدة من السلطة بغزو البلاد في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

وأضفت صفقة ترامب مع الشيطان، التي أُبرمت من وراء ظهر الحكومة الأفغانية المنتخبة، الشرعية على طالبان، ويعكس التصاعد المفاجئ في وتيرة العنف الإرهابي منذ ذلك الحين مدى ضعف مكاسب أفغانستان من الاتفاق الأمريكي مع طالبان.

من المنطقي بالنسبة لأمريكا أن تخرج من حرب طويلة غير مجدية تجاوزت تكلفتها 800 مليار دولار، وراح ضحيتها 2218 جندياً أمريكياً. أما الأمر غير المنطقي فهو ما وصفه مستشار ترامب السابق للأمن القومي، هيربرت ريموند ماكماستر، بأنه «استرضاء من جانب أمريكا على طريقة اتفاقية ميونيخ لحفنة من أفظع الأشخاص على ظهر الأرض».

وقد أسرع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد تولي منصبه، لتبني اتفاق ترامب، وأبقى على زلماي خليل زاد مبعوثاً أمريكياً خاصاً للمصالحة الأفغانية. ومؤخراً سربت إدارة بايدن مسودة مقترح للسلام أبرزت مساعيها المحمومة لفرض تسوية أفغانية بُغية الالتزام بالموعد النهائي للانسحاب المقرر في الأول من مايو.

يسعى المقترح لإبدال الرئيس الأفغاني أشرف غني بحكومة انتقالية جديدة، تتولى فيها طالبان نصف جميع المناصب.

تتحتم على إدارة بايدن الإجابة عن سؤال محوري هو: كيف يمكن لجماعة إرهابية أن تكون جزءاً من حكومة، بينما لا تزال مصرة على تحقيق النصر العسكري وإعادة فرض الحكم الديني الهمجي؟ فجماعة طالبان تريد أن تؤمّن لنفسها السلطة المطلقة على أفغانستان بالانتظار حتى يخرج الأمريكيون من البلاد، وهذا يفسر مماطلتهم في محادثات تقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية.

يجب على الولايات المتحدة استبقاء قوة مقيمة في أفغانستان حتى تواصل توفير الطمأنينة والدعم الجوي للقوات الأفغانية، إضافة للمساعدات اللوجستية لنحو سبعة آلاف فرد من قوات الناتو والقوات المتحالفة. في الحقيقة، لا يتجاوز عدد القوات الأمريكية في أفغانستان حالياً 2500 فرد، مقارنة بنحو 100 ألف خلال ذروة الحرب. وقد انخفضت التكاليف المالية وخسائر أمريكا البشرية بشكل كبير، منذ انتهاء دورها القتالي، فلم يسقط فرد أمريكي واحد هناك خلال الأربعة عشر شهراً الماضية.

على بايدن أن يختار بين انسحاب أمريكي كامل قد يطلق العنان للفوضى وتقويض الدولة الأفغانية، أو الاحتفاظ بقوة صغيرة مقيمة، لتحاشي الحرب الأهلية والحيلولة دون أن تصبح أفغانستان مركزاً للإرهاب، وليعلم الجميع أن الخيار الأول، البعيد تماماً عن منح أمريكا خروجاً يحفظ ماء الوجه من حرب دامت عشرين عاماً، من شأنه أن يجعلها شريكة لطالبان، التي ستفضي سيطرتها على أفغانستان إلى الإضرار الدائم بمصالح الولايات المتحدة وأصدقائها.

 

 

Email