سياسة تجارية أوروبية ناجعة

ملفين كراوس - أستاذ علوم الاقتصاد الفخري في جامعة نيويورك

ت + ت - الحجم الطبيعي

كُـلِّـفَ ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، بتشكيل حكومة وحدة وطنية في إيطاليا في لحظة محورية. يأتي هذا التكليف بعد فترة وجيزة من وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، ومع اقتراب موعد تقاعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأمر الذي يجعل تولي دراجي منصب رئيس الوزراء الآن يعني أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لن يظهر بعد الآن بمظهر الشخص البائس المهجور عندما يدافع عن الغرب والقيم الديمقراطية.

الواقع أن رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة التي دامت لفترة واحدة أضعفت هذه القيم، ولا يزال الغرب مثقلاً بحمل رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، «ترامب بريطانيا»، فضلاً عن مجموعة متنافرة من الحكام الشعبويين في المجر، وبولندا، وسلوفينيا، وأماكن أخرى. ونظراً لمهارات دراجي المختبرة في القيادة وإخلاصه المطلق لمبادئ الديمقراطية، فقد يتبين لنا أن وصوله إلى المجلس الأوروبي لا يقل في أهميته لمستقبل أوروبا والعلاقات عبر الأطلسي عن رحيل ميركل.

تحتاج أوروبا ما بعد ميركل إلى قادة أكثر انسجاماً مع إدارة بايدن المؤيدة للديمقراطية. ومن المؤكد أن انضمام دراجي، المؤيد المتحمس لأمريكا، إلى قلب القيادة في الاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً نحو تحقيق تلك الغاية.

حتى الآن، قدم الاتحاد الأوروبي القليل من الأدلة على أنه يدرك أن الولايات المتحدة أصبحت خاضعة لإدارة جديدة، وأنه يحظى في شخص بايدن بشريك أفضل دراية بأوروبا من أي رئيس أمريكي منذ دوايت أيزنهاور. على العكس من ذلك، أظهرت الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي ــ حتى الآن على الأقل ــ قدراً من الاستعداد للتعاون مع بايدن أقل من ذلك الذي حظي به ترامب.

بدلاً من الوقوف مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في إدانته الشديدة محاولة روسيا قتل المنشق أليكسي نافالني، والآن سجنه، أدار الاتحاد الأوروبي في الأغلب خده الآخر.

الحق أن أحد مجالات صنع السياسات الأوروبية الأكثر احتياجاً إلى التغيير، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو المستوى الوطني، هو ما يمكن تسميته نهج «التجارة أولاً» في التعامل مع روسيا والصين. يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى سياسة تجارية تدرك أن التجارة أفضل مصدر تستمد منه أوروبا نفوذها الأمني.

يجب أن تكون معاملة الدولتين الاستبداديتين على نحو متزايد في عضوية الاتحاد الأوروبي، المجر وبولندا، قاسية بنفس القدر.

سوف يتطلب إقناع بلدان الاتحاد الأوروبي في الجنوب بالموافقة على سياسة تجارية تعكس مصالح الاتحاد الأمنية الدخول في مفاوضات دقيقة ومضنية. لكن البلدان الأعضاء في الجنوب تريد أموراً يمكن استخدامها في المفاوضات ــ مثل سندات اليورو، أو قواعد ميزانية أكثر تساهلاً، أو توفير الحماية لبنوكها، أو حتى برنامج تحفيز مالي أوروبي شمالي.

هنا، يستطيع دراجي أن يقدم مساهمة ضخمة. إن الرجل الذي تعهد ببذل «كل ما يلزم» والذي أنقذ اليورو، يتمتع بما يلزم من الخبرة والمعرفة للتوسط في صفقة كبرى بين شمال وجنوب أوروبا: تنازلات اقتصادية في مقابل سياسة تجارية متشددة تجاه روسيا والصين.

الواقع أن الانحياز إلى الموقف الأكثر تشدداً الذي تسعى إدارة بايدن إلى اتخاذه في التعامل مع روسيا والصين ربما يؤدي إلى مكاسب سياسية غير متوقعة لأوروبا. ذلك أن التنازل من جانب بلدان الشمال بشأن السياسة الاقتصادية كفيل بتعزيز التضامن في الاتحاد الأوروبي والتعجيل بتكامل الشمال والجنوب ــ وهما من الأهداف التي كرس لها دراجي معظم حياته المهنية. لقد تبنى الإيطاليون أخيراً اختياراً ذكياً رائعاً.

 

 

Email