الحلول المتاحة لمجموعة العشرين

قد يشهد العالم قريباً صفقة القرن. إذ يعقد قادة مجموعة العشرين الذين يمثلون أكبر اقتصادات العالم لقاءً لمناقشة أزمة وباء «كوفيد 19» في قمة افتراضية، حيث ستُتاح لهم الفرصة لتأمين عائد استثماري من شأنه أن يُثير إعجاب المستثمر الأسطوري وارن بافيت.

مع تخصيص أقل من عُشر نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يمكن للمجتمع الدولي توسيع نطاق الوصول إلى الاختبارات والعلاجات واللقاحات المنقذة للحياة (بمجرد توفرها) لمكافحة فيروس «كوفيد 19»، وبالتالي وضع الاقتصاد العالمي على مسار النمو والاستقرار على المدى الطويل.

إن الاستثمار اليوم لضمان تطوير التشخيصات والأدوية العلاجية واللقاحات الفعالة وتوزيعها على الناس في جميع أنحاء العالم ليس العمل الصائب الذي يتعين القيام به فحسب؛ بل أيضاً خطوة ذكية ينبغي اتخاذها. تحث المصلحة الذاتية المُستمدة من الحاجة إلى دعم الطلب المستقبلي على السلع والخدمات من أجل انتعاش التجارة العالمية والنمو. يجب أن يكون هذا قراراً سهلاً لقادة مجموعة العشرين.

لكن في حال فشل صنّاع السياسات في إدراك العائدات المعروضة، فإليكم الحقائق. خلال الثمانينيات والتسعينيات، بلغ متوسط النمو الاقتصادي السنوي للاقتصاد العالمي حوالي 3.3٪، وارتفع هذا المعدل حيث بلغ 3.7 % خلال العقدين الماضيين بفضل صعود الصين ودول أخرى في مجموعة البريكس (والتي تضم البرازيل وروسيا والهند).

ومع ذلك، في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الحالي، سيكون النمو مدفوعاً بمجموعة جديدة من البلدان ذات الدخل المنخفض في الغالب، والتي تسعى جاهدة لصعود السلم للوصول إلى فئة الدخل المتوسط والعالي.

في عام 2005، قمتُ أنا وزملائي في بنك غولدمان ساكس بتحديد مجموعة من البلدان التي يمكن أن تصبح اقتصادات ذات أهمية عالمية في القرن الحادي والعشرين. أطلقنا على هذه المجموعة اسم «البلدان الأحد عشر» (N-11) ومنها: بنغلاديش ومصر وإندونيسيا والفلبين وكوريا الجنوبية وتركيا وفيتنام.

مع إجمالي ناتج محلي يبلغ حوالي 6.5 تريليونات دولار - أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للهند – تُعد دول (N-11) بالفعل ذات أهمية كبيرة بالنسبة لنا جميعاً في الاقتصاد العالمي.

علاوة على ذلك، كما تُظهر أحدث التوقعات، إذا فشلت هذه البلدان الصاعدة في تحقيق مشاريعها، فإن متوسط معدل النمو العالمي السنوي سيبدأ في التراجع إلى نطاق %3.3. مع استمرار جائحة «كوفيد 19» في تعطيل أداء هذه الاقتصادات الرئيسية، أصبحت هذه النتيجة غير المرغوب فيها أكثر احتمالاً.

في الواقع، لقد وصلنا إلى نقطة تحول. يتعين على مجموعة العشرين اتخاذ إجراءات سريعة لضمان وصول جميع البلدان إلى الأدوات الطبية والموارد الأخرى اللازمة لمواجهة الوباء والقضاء عليه في أقرب وقت ممكن.

لحسن الحظ، هناك بالفعل طريق واضح لإحراز التقدم. تُوفر آلية تسريع الوصول إلى أدوات «كوفيد 19» (ACT)، التي تم إطلاقها في أبريل الماضي، خارطة طريق لإنهاء الأزمة من خلال التعاون العالمي. في غضون ستة أشهر فقط، وصل شركاء إلى أدوات «كوفيد 19» بتجميع أكبر مجموعة في العالم من اللقاحات والاختبارات والعلاجات المُرشحة، بالإضافة إلى تطوير نظام المشتريات المُسبقة لتوجيه هذه العناصر الحيوية نحو الأماكن حيث تشتد الحاجة إليها.

ولكن للاستمرار في إجراء الفحوصات الطبية السريعة، وتقييم العلاجات الجديدة وضمان الوصول إلى اللقاحات بمجرد ترخيصها، سيحتاج برنامج مُسرّع «آكت» إلى إجمالي 38 مليار دولار - بما في ذلك 4.5 مليارات دولار بشكل عاجل.

إن خطوة الاستثمار لسد فجوات التمويل هذه هي من أكثر الخطوات إلحاحاً واجهتها في حياتي المهنية. لقد أنفقت دول مجموعة العشرين بالفعل أكثر من 12 تريليون دولار للتخفيف من تداعيات الوباء. بالمقارنة مع هذا المبلغ، فإن الأموال المطلوبة لضمان عمل برنامج مُسرّع «آكت» ضئيلة للغاية.

يُقدر صندوق النقد الدولي أنه في حال توفير الإمدادات الطبية لمكافحة الوباء بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع من التوقعات الأساسية للصندوق، فإن الزيادة التراكمية الناتجة في الدخل العالمي ستصل إلى ما يقرب من 9 تريليونات دولار بحلول نهاية عام 2025.

بالنسبة للبلدان المتقدمة، لا ينبغي أن يكون هذا خياراً. يمكن لقادة مجموعة العشرين إما العمل اليوم على تعزيز النمو في اقتصادات الغد، أو عدم فعل أي شيء إزاء تقلص أسواق صادراتهم، مما يجعلهم أكثر اعتماداً على نموهم المحلي البطيء.

بعبارة أخرى، تُعد مصالح دول مجموعة العشرين وبقية العالم متوافقة بشكل مباشر. إن التداعيات الحقيقة لهذا الوباء واضحة للغاية.

في ظل هذه الظروف، ينبغي أن نُدرك جميعاً أن جائحة «كوفيد 19» هي أزمة اقتصادية وبشرية وإنمائية لا يمكن وقفها إلا من خلال معالجة السبب الرئيسي. إذا خصصت دول مجموعة العشرين %1 فقط من إنفاقها التحفيزي الحالي على الجهود المبذولة للتخفيف من العواقب الاقتصادية للوباء على مستوى العالم، فإنها ستغطي أكثر من احتياجات برنامج تسريع إتاحة أدوات مكافحة مرض «كوفيد 19».

في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، أظهرت مجموعة العشرين ما يمكن للاقتصادات الرائدة في العالم تحقيقه عندما تتصرف وفقاً للمصالح المشتركة. في القمة الافتراضية لهذا الشهر، يتعين على القادة الحاليين لمجموعة العشرين الاستجابة لتحد أكبر. ولديهم كل الحوافز للقيام بذلك.