الاقتصاد الأمريكي.. حقائق تاريخية وآفاق متوقعة

?? ???????? ??????

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أيامنا هذه، يسمع المرء العديد من الأمور العجيبة، خاصة و«أنهم» (وهو مصطلح معقد) يغمرون المنطقة بمعلومات مضللة.

وفي غياب مجموعة مشتركة من الحقائق التي يمكن أن تستند إليها المناقشات الأخلاقية والسياسية، تنهار الديمقراطية حتماً. تكمن فضيلة النظام في قدرته الفريدة على إعلاء مجموعة واسعة من الأفكار المنبثقة من المجتمع ورعايتها بالدرس والتمحيص. في الظروف المثالية، تلتقي غالبية من الناخبين حول أفضل مسار للعمل من خلال تبادل الحجج وتقييم البدائل انطلاقاً من نوايا حسنة.

لكننا فقدنا واحداً من الشروط الأساسية لنجاح هذه العملية في أداء وظيفتها على النحو اللائق: مجال عام قائم على الحقائق. ورغم أن الخلافات العميقة المستعصية كانت حاضرة دائماً في الماضي، فإن الناس كانوا على الأقل يتحدثون عن الشيء ذاته.

ينبئنا جزء متزايد الانتشار من المعلومات بأن الولايات المتحدة ستواجه مقايضة كبرى في يوم الانتخابات.

أخيراً، قامت كاتبة العمود في صحيفة وال ستريت جورنال بيجي نونان بتأطير الانتخابات على هذا النحو، قبل أن تشكو من أن جو بايدن «لا ينبغي له أن يجلس في مقعد وثير في انتظار تمرير التاج، أو يخرج لتناول الآيس كريم في قناع مثل جون ديلنجر أثناء هروبه».

بعد رؤية المرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس، كامالا هاريس، وهي ترقص على خشبة المسرح في حشد انتخابي. استنتجت نونان: «كان ذلك محرجاً... فإن لم تكن قادراً على محاكاة الجاذبية، أفلا يمكنك على الأقل أن تحاول التحلي بالجدية؟».

لكنه اختيار مضلل. فلم يكن أحد أكثر إحراجاً للولايات المتحدة من الرئيس دونالد ترامب، ولا يستطيع الحزب الجمهوري أن يدعي حسن إدارته للشؤون الاقتصادية. كما أوضح الاقتصاديان ألان س. بلايندر ومارك دبليو واتسون في ورقة بحثية في عام 2015:

«إن تفوق الأداء الاقتصادي في ظل الديمقراطيين وليس الجمهوريين يكاد يكون ظاهراً في كل مكان؛ وهو أمر ثابت بصرف النظر عن كيفية تعريفك للنجاح. ووفقاً للعديد من المقاييس، كانت فجوة الأداء ضخمة إلى حد مذهل».

في ما يتصل بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) على أساس سنوي، على سبيل المثال، وجد بلايندر وواتسون أن الديمقراطيين يتفوقون في الأداء على الجمهوريين بنحو «1.8 نقطة مئوية» في بيانات ما بعد الحرب التي تغطي 16 فترة ولاية رئاسية كاملة ــ من هاري ترومان إلى باراك أوباما.

وإذا جرى تمديد هذا التحليل عبر حقبتي هربرت هوفر وفرانكلين ديلانو روزفلت، فسوف تتسع الفجوة إلى نحو ثلاث نقاط مئوية سنوياً. لكن من الجدير بالملاحظة أيضاً أن ترامب، قبل أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19)، قاد نمواً قوياً إلى حد غير عادي (غير عادي في ظل إدارة جمهورية) خلال سنواته الثلاث الأولى، عندما كان الاقتصاد الأمريكي يضاهي معدل النمو السنوي الذي بلغ 2.4 % في المتوسط خلال ولاية أوباما الثانية.

يُـبدي بلايندر وواتسون الحيرة إزاء مصدر هذه الفجوة في الأداء. وهما ينظران في الأدوار التي يضطلع بها الاستثمار الثابت الأقوى، وتفاؤل المستهلك الأكبر (وبالتالي زيادة الإنفاق على السلع المعمّرة)، وعدد أقل من صدمات النفط السلبية، والنمو الأسرع في الخارج. لكن هذه العوامل تفسر أقل من نصف الفجوة. والإجابة ليست أن الديمقراطيين، على عكس الجمهوريين، يميلون إلى انتهاج سياسات تضخمية مفرطة تستعير النمو من أجيال المستقبل.

عندما صادفت دراسة بلايندر وواتسون أول مرة، كنت أظن أن عامل النفط هو المشكل الأساسي. الواقع أن الإدارات الجمهورية في عهد جورج بوش الأب ثم جورج دبليو بوش ــ فضلاً عن إدارتي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، عندما كان هنري كيسنجر وزيراً للخارجية ــ كانت في حيرة تامة من أمرها حول ما إذا كان سعر النفط المرتفع أو المنخفض أفضل لنمو الدخل الحقيقي في الولايات المتحدة. على النقيض من هذا، لم تتردد إدارات أخرى في الإبقاء على أسعار النفط منخفضة كلما أمكن.

في كل الأحوال، يشير تاريخ الولايات المتحدة خلال القرن الماضي بقوة إلى أن الجمهوريين ليس لديهم ببساطة أدنى فكرة عن السياسات الاقتصادية التي من المرجح أن تنجح في أي وقت بعينه. في العقد الأول من القرن الحالي، على سبيل المثال، لم يتبادر إلى ذهن بوش أو مستشاريه قَـط أن نقص التنظيم قد يُـفضي إلى أزمة مالية كارثية.

لم يطرأ أي تحسن في تشغيل العمالة في التصنيع الأمريكي، واتسع العجز التجاري الصناعي، وانخفض دخل المستهلكين الأمريكيين الحقيقي الآن بعد أن أصبحوا يتحملون تكاليف رسوم الاستيراد.

لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئاً لأحد. فقد كانت الإدارات الجمهورية لا فاعلة تماماً في صنع السياسات الاقتصادية منذ عشرينيات القرن العشرين على الأقل. والاختيار الوحيد في يوم الانتخابات هذا هو بين العودة إلى الإدارة الاقتصادية السليمة أو غير ذلك.

* نائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي سابقاً، وأستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

 

Email