ديمقراطية التعليم والفكر بمواجهة السياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقدم معرض الحرب العالمية الأولى في متحف التاريخ الأوروبي ببروكسيل، مشاهد تجعل الزائرين يتأملونها طويلاً. وفي لفتة بسيطة، لكنها درامية، وضع المتحف المُسَدَّس الذي استُعمل في اغتيال أرشدوك فرانز فيرديناند في حجرة زجاجية وسط بهو المتحف.

وأخبرنا مرشد المتحف الذي كان يرافقنا في جولتنا، أنه بعد النقاشات المكثفة والساخنة، وافق المتحف على تغيير معروضاته من حين لآخر، حتى تتمكن دول أخرى من عرض آثارها التاريخية الأكثر قيمة. لكن، عندما قلت ملاحظاً أن المسدس الذي استعمله غافريلو برينسيب في سراييفو لا يمكن استبداله بمسدس آخر، رد أمين المتحف أن أربعة متاحف أوروبية تدعي أنها تعرض المسدس الأصلي.

ورغم أنني أحترم تعددية التقاليد القومية الأوروبية وأدافع عنها، فقط مسدس واحد وليس أربعة، أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى. ولا يمكننا أن نكون «تعدديين» و«شاملين» عندما تعطي الحقائق التاريخية، فقط جواباً واحداً صائباً للرد على سؤال معين. ومن ينبغي أن يرد على مثل هذه الأسئلة هم الخبراء الذين تلقوا تكويناً دقيقاً جداً في التاريخ (وتلقوا تدريباً في المصادر التاريخية) لِحقبة معينة، وليس هؤلاء الذين لديهم أجندات سياسية.

وقد يعتبر هذا الرأي فطرة سليمة. لكن العلماء ومؤسساتهم، وشرعية المعرفة العلمية نفسها، مهددون بشكل متزايد في مختلف الدول الأوروبية.

لن تبقى المعرفة حقاً مدنياً في المستقبل. وستحدد السياسة، من يمكنه أن يُدَرِّس، وما الذي يمكنه أن يدَرَّس بشأن بلد معين وتاريخه. وهذا يعني إلغاء دمقرطة التعليم العالي والعلوم بشكل عام، ووضع «الخبراء» في خدمة الأهداف المناهضة للديمقراطية الواسعة النطاق. ولمنع تحقيق تلك الأهداف، ينبغي مقاومة ما ذكرناه في السابق.

* أستاذة في شعبة دراسات النوع الاجتماعي في الجامعة الأوروبية المركزية.

Email