أكروبات

جوهرة الموازمبيق

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعان الله مسؤول القسم الرياضي في معظم صحفنا العربية، ومنهم الزميل أحمد الحوري .. يدقق في كل شاردة وواردة إذا ما تعلق الأمر بخبر محلي أو تحقيق أو سبق، أما بالنسبة الى الشق الدولي فليس له سوى وكالات الأنباء، وعليه أن يبصم على ما جاء فيها، مع أنها ليست معصومة عن الخطأ .. صباح الاثنين ظهر في "البيان الرياضي" خبر بثته وكالة فرانس برس (وكالة الصحافة الفرنسية) حول وفاة أوزيبيو دا سيلفا فيريرا، ومما تضمنه أن هذا اللاعب الأسطوري "ولد بتاريخ 5 يناير 1942 في لورنزو ماركيش في زيمبابوي التي كانت مستعمرة برتغالية..".

وباعتبار أن الخبر الرياضي نوع من أنواع الثقافة كان لا بد من تصحيح هذه المعلومة .. البرتغال استعمرت موازمبيق منذ العام 1500 فما إن استقلت في 25 يونيو 1975 حتى تغير اسم عاصمتها لورنزو ماركيش وصار مابوتو .. والمسافة بين مابوتو وبين هراري عاصمة زيمبابوي هي 1263 كيلومتراً .. ثم إن أوزيبيو، الذي عرف دائماً بلقب "جوهرة الموزامبيق" ولد في 25 يناير"!

المهم ألا تتفتق عبقرية مراسل أجنبي فيذكر مثلاً أن اسماعيل مطر "جوهرة الإمارات"، أطال الله في عمره، ولد في الرياض أو الدوحة أو المنامة أو القاهرة!! أما بالنسبة الى "تكبيره أو تصغيره" عدداً من الأيام، فـ"ما في مشكل".

في الماضي البعيد، كانت البرتغال (أقل من 11 مليون نسمة حالياً والمساحة نحو 92 ألف كلم مربع) امبراطورية تنتشر مستعمراتها في افريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية (وأهمها البرازيل) على رقعة تفوق مساحتها مليونين و168 ألف كلم مربع.. انهارت الإمبراطورية سياسياً ولم يعد يشار اليها بالبنان إلا كروياً، حتى إنها باتت مرجعاً في تصنيع اللاعبين.. تشتريهم من أميركا الجنوبية وافريقيا بأثمان بخسة ثم تبيعهم بأثمان عالية، وبورتو مثلاً عرف كيف يستثمر فوزه بدوري ابطال أوروبا عام 2004، حيث دخل في حساباته المصرفية منذ ذلك التاريخ وحتى 2012 أرباح بقيمة 332 مليون يورو..

ومن صفقاته شراؤه المهاجم البرازيلي هولك من طوكيو فيردي الياباني بـ19 مليون يورو وبيعه لزينيت الروسي بـ60 مليوناً، وشراؤه المهاجم الكولومبي فالكاو من ريفر بلايت الأرجنتيني بـ5 ملايين وبيعه لأتلتيكو مدريد بـ40 مليوناً.. الى ذلك لدى البرتغال أشهر مدرب في العالم حالياً مع غوارديولا وهو مورينيو، وأشهر وكيل لاعبين ومدربين في العالم وهو جورج منديش، وأشهر لاعب في العالم مع ميسي وهو كريستيانو رونالدو.

مثل هذه الطفرة بدأت مع أوزيبيو تحديداً.. هذا الذي جاءت به من موزامبيق في سن الثامنة عشرة، فقال فيه مدرب بنفيكا في ذلك الوقت المجري بيلا غوتمان صانع انتصاري بنفيكا بكأس أبطال اوروبا 1961 و1962: "إنه من ذهب، من ذهب، من ذهب"، هو المرجع.. هناك الكرة البرتغالية ما قبل أوزيبيو وما بعده.. لذا، ليس غريباً أن يرثيه الرئيس البرتغالي كافاكو سيلفا على الملأ وأن تعلن الحكومة الحداد ثلاثة أيام تكريماً لذكراه في خطوة قل نظيرها في العالم.

قبل أن تغفو الريشة

أحلى ما قاله أوزيبيو، خص به وكالة الأنباء البرتغالية عام 1992: "لم أكن أتخيل أن أصل الى ما وصلت اليه.. ابتسم لي كل شيء لأن قدمي بقيتا على الأرض وبقي رأسي فوق اكتافي.. والفضل الكبير يعود الى طريقتي في العيش.. كنت دوماً إنساناً بسيطاً، ومقلاً في الكلام".

عرف أوزيبيو كيف يحافظ على النعمة.. وكم هم كثر من لا يعرفون كيف يحافظون عليها!

Email