من بعيد

ضبط المتعصبين وإحضارهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعداد من المشجعين لا تتجاوز ألف فرد أفسدوا الصورة الحلوة التي كنا قد بدأنا نتعايش معها منذ أن حقق منتخب الشباب المصري إنجازه وحصوله على اللقب الإفريقي، وكرروا حوادث الشغب المفزع عقب هزيمة الإسماعيلي وخروجه من بطولة الأندية العربية باختراقهم أرض الملعب ودخولهم أروقة استاد الدفاع الجوي العسكري ثم باعتدائهم على السيارات الآمنة في الطرقات المحيطة وتفجير أجواء من الخوف تصورنا أننا في الطريق للاستشفاء منها، وفي ظني أننا نتجمل عندما نغض البصر عما حدث عقب هذه المباراة التي أصابت لاعبي الإسماعيلي أنفسهم بصدمة عصبية شديدة العمق.

من أهم المشاهد الاعتداء على لاعب محدد بعينه عامداً متعمداً هو أحمد خيري ليس لأنه أضاع ركلة الجزاء الأولى ورسم سيناريو خروج فريقه من الدور قبل النهائي للبطولة فحسب، بل "وهذا الأهم" أنه بات قريباً من الانتقال إلى صفوف النادي الأهلي الغريم التاريخي للإسماعيلي، وكان الاعتداء جسيماً سواء بالضرب أو "التلويح بقتله" مما أصابه بانهيار عصبي أدى إلى استبعاده من السفر إلى مدغشقر.

وفي تقديري، فإن سلوك المشجعين وهم ينتمون إلى ما يسمى رابطة "يلو داجونز"، يؤكد ارتفاع معدلات التعصب الكريه إلى أقصى درجاتها وهو أمر لم يعد جديداً في تحليل السلوك والتفكير الذي يحكم هذه الروابط التي تعتنق تقاليد وعادات وافدة على مجتمعنا المتسامح بتكوينه الديني والأخلاقي، ولكن الأجواء السياسية الملتبسة أضافت أبعادا أكثر خطورة إلى هذا السلوك ويكمن في شعور أبناء المدن المطلة على الممر الملاحي قناة السويس، بالظلم وعدم الإنصاف وهي مشاعر لم تكن ظاهرة قبل عشر سنوات لكنها تنامت وانفجرت عقب الحادث الكارثي في استاد بورسعيد وما تلاه من تداعيات وسقوط "نفوس عزيزة" رحلت ثمنا لهذه الفتنة الكبرى.

الملاعب الرياضية تحولت إلى ساحات لتصفية الحسابات بعد سيطرة فصيل واحد على مفاتيح الدولة، وفي الوقت الذي كان منتخب الشباب يستعد لتحقيق إنجازه، كان مقر اتحاد الكرة يتعرض للتخريب والتدمير ونهب ذاكرته ووثائقه وهي واقعة سوف تظل جرحاً نازفاً في جبين التاريخ الرياضي المصري لن يندمل مطلقاً، وفي الوقت الذي سمحت الجهات الأمنية بحضور أعداد من المشجعين للملاعب، تأتي حادثة جماهير الإسماعيلي لتقضي على بصيص الأمل في عودة الرياضة إلى مسارها الطبيعي.

وأظن أن التعصب ما بين الأندية الكبرى كالأهلي والزمالك والإسماعيلي تجاوز كافة الخطوط الحمراء وبات خطراً على التماسك الاجتماعي المهدد في الأساس منذ عامين والمطلوب ضبط وإحضار المتعصبين الذين تكشفهم العدسات في كل مكان لكن أخشى أن قضية التعصب لم تعد جنائية في حدها الأدنى، بل هي خطر داهم يهدد المجتمع بكافة أطيافه ويستغل الانقسام السياسي السائد لإشعال نار العدوانية والكراهية في كل بيت.

المواجهة لن تكون بالشرطة وتشديد الأمن بل في تطهير العقول والضمائر والقلوب، وهى مسؤولية الجميع وليس طرفاً بعينه.

Email