من بعيد

الخضوع لـ«الألتراس»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما يجري في الشارع المصري هذه الأيام يشير إلى الخضوع الكامل لمن يطلق عليهم جماعات أو روابط الالتراس وأقصد خضوع الدولة بمؤسساتها الأمنية والرقابية لسطوتهم وضجيجهم وصراخهم والقضية كما هو ظاهر لم تعد تنحصر في دوري كرة القدم المتوقف منذ عام بالتمام والكمال وما استتبعه من شلل تام في الحركة الرياضية وتدهور أحوال مؤسساتها وتسرب الرياضيين وتصاعد المشاكل والأزمات المالية، بل أخذت أبعاداً خطيرة بدخول الالتراس طرفا فاعلا في اللعبة السياسية والسؤال لصالح من هذا التدخل؟

* البعض يرى أن ارتفاع مظاهر الاحتجاج يعود الى التطورات الخاصة بمحاكمات المتهمين في قضية استاد بورسعيد التي يتفق الجميع على أنها نقطة سوداء في تاريخ الرياضة المصرية لسقوط 72 مشجعا ضحية احتقان وانفلات عارم منذ اندلاع ثورة 25 يناير، لكننا نرى أن الأحداث الأخيرة لها جانب آخر يبدو غير منظور لكنه واضح لمن يتابع، فاللعبة السياسية استهوت الالتراس من قبل وقوع الحادث المشؤوم .

ولا ننسى مباراة الزمالك مع الإفريقي التونسي التي شهدت اجتياحا للملعب غير مفهوم وكان إنذاراً لم يستوعبه أحد، ثم مباراة الأهلي مع فريق كيما أسوان وما أعقبها من التحام مع قوات الأمن وامتداد العنف خارج استاد القاهرة الى الشوارع المحيطة، ثم انتقاله الى ميدان التحرير والاعتداء على مقر الشرطة بالجيزة، وحرص أعضاء هذه الروابط على الالتحام بالقوى السياسية رافعين أعلام الأهلي والزمالك.

* قضية الالتراس تبدو مناصرة لحقوق ضحايا الحادث الرياضي لكنها في الواقع تتجاوز ذلك من خلال السيطرة على المؤسسات الرياضية والهجوم على النادي الأهلي لمجرد أنه لعب مباراة محلية قبل عدة أشهر، والإصرار على إيقاف النشاط الكروي بغض النظر عن الأضرار الفادحة والجسيمة التي لحقت بالرياضة المصرية ومن بينها التراجع المخيف لتصنيف المنتخب الى المركز 41 بعد أن كان قبل الثورة عاشراً على العالم، الالتراس لم تعد الرياضة هوايتهم بل السياسة لعبتهم الحالية .

وهم على الأرجح أداة في يد بعض الجهات توظفها بما يحقق مصالحها السياسية، والغريب أن من أهم مطالب الالتراس اعتماد صفة الشهداء لضحايا حادث استاد بورسعيد، وصدر قرار رئاسي بهذا المعني قبل أيام ورغم ذلك تصاعدت ضرباتهم في قلب القاهرة، الأمر الذي يفتح أبواب التساؤلات حول أهدافهم غير المعلنة.

وكلنا يذكر تأييدهم للإخوان المسلمين قبل الانتخابات الرئاسية ثم انقلابهم بعدها، اضافة الى الكثير من المواقف التي تعتمد على ضرب شرايين الحياة وقطع الطرق والقطارات رافعين أعلام النادي الأهلي، والأهلي براء من هذا كله.

* يرى البعض أن التحاور مطلوب مع الالتراس ولكن عمليا هم يرفضون ذلك ويغلقون الأبواب ويعزلون انفسهم عن المجتمع والرأي العام والمشهد برمته يوحي بأنهم سعداء بما حققوه من ترهيب الدولة المرتعشة في الأصل وبأنهم وحدهم يرفعون شعار الفضيلة دون غيرهم في البلد.

Email