من بعيد

دلالة ومغزى المشهد

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشهد لا يفارقني شاهدته بعيني في خليجي 9 بالرياض عام 1988خلال مباراة الإمارات والسعودية التي أقيمت في ملعب استاد فهد الدولي والذي تم افتتاحه رسمياً مع تلك البطولة، ووسط جماهير سعودية تتجاوز 50 ألف متفرج، فوجئنا بالفريق الإماراتي يبادر بتسجيل هدف للنجم زهير بخيت، ليرتبك أصحاب الأرض بقيادة الجوهرة ماجد عبد الله، ولم تمض دقائق حتى أضاف زهير أيضاً الهدف الثاني وسط دهشة كل من في الملعب، وارتمى معظم اللاعبين فوق زميلهم فرحا بهذه النتيجة العجيبة ، وهنا حدث المشهد الذي أقصده ، انطلق حمد بن بروك المشرف على المنتخبات في ذلك الوقت طائرا بسرعة واضعا يده على عقاله خوفا من سقوطه متوجها إلى اللاعبين، ما الذي دفع بروك إلى هذا الفعل؟

سألته عقب المباراة فقال: صرخت فيهم بكل قوة لإيقاف مظاهر هستيريا الفرح التي انتابتهم وسط صمت رهيب في الاستاد الضخم ، فعلت ذلك خوفا عليهم من ردة فعل الجماهير الغاضبة من ناحية وحتى يعودوا إلى تركيزهم الفني من ناحية أخرى، بروك أدرك في ثوان خطورة الفرحة المغالى فيها وتأثيرها على التماسك وقوة الأداء، وهو يملك من الخبرة الكثير ولعب أدواراً لا تنسى مع كرة الإمارات حتى وصل إلى الاتحاد الدولي باختياره عضوا باللجنة الفنية ، والذي حدث أن ما توقعه وقع فقد انفرط عقد الفريق وتراجع و بالكاد انتهى اللقاء بالتعادل 2 ـ2 .

اكتب هذه الحكاية مؤكدا أن تفوق منتخب الإمارات في خليجي 21 لا يحتاج إلى برهان، وانه سجل في المنامة ما لم يسجله طيلة مشاركاته الطويلة في هذه البطولة منذ 1972 بالفوز في ثلاث مباريات متتالية متعاقبة، فقد سبق له أن فاز مرتين متتاليتين في عدة بطولات لكن في البحرين تفوق على منافسيه قبل أن يتفوق على نفسه، واستحق التهنئة والإشادة وفقط دون الإفاضة في مظاهر الفرحة، ويبدو أن الصديق العزيز مدرب الفريق مهدي علي لاحظ خطورة طوفان الفرحة وأدرك العواقب فطلب من لاعبيه الامتناع عن عدسات التصوير مشددا على مقاومة إغراء المديح والتصريحات والفرقعات الإعلامية، لكنه لم يغلق علـــيهم الأبواب بل سمح لهم بالاختلاط مع ضيوف البطولة والمشجعين، وهـــو قرار يجسد أحساسه كلاعب سابق بأهمية تواجد اللاعبين وســط الرأي العام دون الانزلاق إلى مطـبات إعلاميــة وأسئلة صحافية قد تجر عليهم المتاعب.

البطولة لم تنته بل ربما بدأت في الدور قبل النهائي حيث المنافسة وجها لوجه ، وفي تصوري أن قرار تنظيم رحلات اليوم الواحد للمشجعين بالطائرات كان له تأثير نفسي على أعضاء الفريق ، فقد وصلتهم الرسالة من قيادة الدولة في أن قلوب الإمارات معهم تساندهم وتؤازرهم ، وهذا هو المعنى الحقيقي، إلى جانب انتشار مشجعي "الأبيض" في شوارع المنامة وتسيير مواكب الفرحة في منطقة المعارض الشهيرة ، فاللاعب عندما يشعر أن القيادة معه يكون الأمر مختلفاً وما زلت أؤكد أن الحذر مطلوب في المشاعر والأمر لم ينته بعد.

على الهامش .. تبارى الأخوة في ستديوهات التحليل مطالبين مهدي بالبقاء على التشكيل حتى لا يكسر الحظ والبعض أكد أنه سيلعب بتشكيل جديد لراحة الأساسيين، ولكن مهدي الهادئ في طباعه وسلوكه وحديثه نفذ ما يؤمن به وطبق قـــناعاته دون تأثر مما يقال وحسنا فعل والله وفقه.

Email