من بعيد

صحافة زمان في دورات الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاصرت عشر بطولات للخليج خلال عملي ضمن كتيبة «البيان»، وأعلم تماماً أن مهمة الصحافي ليست نزهة أو ترفيهاً، بل مشقة ومعاناة يصعب أن يتفهمها الآخرون، فالتنافس لا ينصب على الملعب بل يفوقه بمراحل التنافس بين الصحافيين على الورق، وتزداد الصعوبة كلما زادت الجريدة من عدد صفحات الملحق الرياضي المخصص للبطولة، وفي كل الأحوال لا يقل عن أربع صفحات ويصل إلى 12 صفحة، كلها لا تخرج عن الهدف المقرر، أي تغطية بطولة الخليج.

وأتذكر عام 1984 حين أقيمت منافسات البطولة في العاصمة العمانية مسقط، وكانت بنظام المجموعتين، وقررت الجريدة إصدار ملحق من 8 صفحات يومية، ولكن حدث ما لم نتوقعه، بخروج 4 فرق من المنافسات وبقاء كل من فريقي قطر والعراق للقاء الختام، وكم كان مرهقاً إصدار هذا الملحق بصفحاته الكثيرة لتغطية أخبار فريقين فقط، بعد رحيل باقي المنافسين ومعظم الشخصيات الرياضية.

والمفارقة أن المهمة الصحافية تحولت إلى كابوس مروع عندما تعادل الفريقان وتقرر إقامة لقاء إعادة بينهما بعد ثلاثة أيام، واكتشفنا أننا كصحافيين وقعنا في مطب لا حدود له، وتساءلنا كيف سنغطي صفحاتنا مع فريقين يختبئان في تدريباتهما ويختفيان في الفندق تحسباً من فضول الإعلاميين؟ وأتذكر أن الهاتف كان الوسيلة الوحيدة لنقل المواد الصحافية إلى مقر الجريدة وارتفع صراخنا عبر الهاتف:

«يا ناس مفيش أخبار مفيش حوارات مفيش تصريحات»، ولا أنسى تلك الأيام الصعبة التي كنا نحسبها بالساعات، فقد اختفت الديوانيات وهي واحدة من أهم مصادر الصحافة لملء الصفحات، وخلت أروقة الفندق ووجدنا أنفسنا وحدنا لا نقابل أحداً ولا نلتقي مع أحد، حتى أقيمت المباراة والغريب أنها انتهت بالتعادل ولعب الفريقان وقتاً إضافياً ثم تحولا إلى ركلات الجزاء و«كأن البطولة مش عايزة تنتهي»، والمضحك أن ركلات الجزاء امتدت إلى تسع ركلات لكل فريق حتى حسمها الفريق العراقي لصالحه، وبعد التتويج نظرنا إلى الوقت فوجدنا الساعة الحادية عشرة والنصف، والمتاح أمامنا نصف ساعة قبل دوران المطابع.

ودائماً أردد أن الصحافي الذي لم يحالفه الحظ بالعمل في بطولات الخليج تفوته الكثير من الخبرات، وأعترف أنني استفدت مهنياً بشكل كبير وخرجت منها بحصيلة وافرة من العلاقات القوية مع أصدقاء في كافة المواقع، ولست منحازاً عندما أقول إن العمل الصحافي في بطولات الخليج قبل 30 عاماً، أصعب بكثير من الوقت الحالي، فقد تعددت مصادر المعرفة وظهرت المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية وكلها تضخ أخباراً وتصريحات وحوارات في كل دقيقة، وهو ما لم يكن متاحاً في عصرنا السابق، فالصحافي كان يستيقظ من نومه ويتوكل على الله حاملاً أقلامه وأوراقه ليقف على أقدامه طوال اليوم وفي ذهنه مواعيد تسليم الصفحات وبدء الطباعة.

صحافة زمان علمتنا موهبة البحث عن الخبر ومتابعته، و«صحافي زمان» كان يظل بالساعات مترقباً للاعب أو مدرب، لينتزع منه بضعة كلمات، أما الصحافيون اليوم فلا يجدون صعوبة في ضخ الأخبار لتعدد مصادر المعلومات في أكثر من جهة، وبارك الله في «النت» والمواقع الجهنمية، وفي النهاية تقرأ نفس الخبر في أكثر من صفحة دون عناء وهنا الفارق الكبير.

على الهامش

في الوقت الذي تتواصل فيه مباريات كأس الخليج، يحضر منتخب مصر في أبوظبي لمدة أسبوع، ويلعب الأهلي في العاصمة السعودية الرياض، ومن بعدها الكويت، ويقيم الزمالك معسكراً بعد أيام في دبي ثم إسبانيا، وهكذا لم يجد فرسان الكرة المصرية سوى الهجرة هرباً من الطغيان والحصار والتجميد في مشهد يبعث على المرارة والأسى والأسف.

Email