من بعيد

يبيعون الهواء

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط الفوضى الضاربة التي تعيشها مصر منذ اندلاع الثورة "المباركة" مازال قطاع الرياضة يتخبط في أمواج هادرة بعيدا عن المنطق، وكل الدروب أمامه مغلقة بفعل فاعل بما يجسد أفكار التغيير وخلق مجتمع جديد في الشكل والجوهر، ويرى البعض أن التفاف الشباب حول الرياضة ومبارياتها مسألة فقهية تخالف هذا المخطط الذي يدبر علنا ويجب مقاومتها عن طريق إخضاع الأندية لسيطرة الدولة وإغلاق الملاعب الرياضية.

وفي ظل هذه الأجواء العصيبة تتخلى وزارة الرياضة عن وظيفتها الأساسية وهي تسهيل الممارسة الرياضية وتترك اتحاد كرة القدم في دوامة البحث عن ثغرة للخروج من مأزق تجميد النشاط الذي يدخل عامه الأول دون بصيص من أمل، ويضطر للقيام بتحرك انتحاري بتحديد يوم 30 ديسمبر موعدا لبدء الدوري وسط دهشة الجميع، بعيدا عن مظلة الدولة

 والتي بدورها ترفض إقامة المباريات في الملاعب العسكرية حتى لو بدون جمهور، ثم يتلقى ضربة أخرى من وزارة الداخلية بعدم الموافقة على تأمين المنافسات، الأمر الذي يؤكد تصميم الإسلاميين على تقليص الاهتمام بالرياضة وإعادة تشكيلها وفقا لأفكارهم وقناعتهم.

والوضع المؤلم الذي تعيشه الرياضة المصرية لا مبرر له ، خاصة أنها تجاوزت مرحلة الهواية إلى الاحتراف بكل ما فيه من قيم مادية وحقوق تعاقدية وعوائد تسويقية وأرباح تضعها كصناعة تشبه صناعة السينما والفن والآثار والثقافة، وكلها تتعرض لمظاهر الهدم والتحجيم مثل الرياضة تعيسة الحظ، وأتذكر حماس وزير الرياضة لاستئناف النشاط الرياضي المتجمد عقب توليه المنصب، ثم الفتور والتجاهل وربما اليأس الذي يشعر به الآن بعد أن لمس تعمد الدولة وقياداتها إذلال الرياضيين ومؤسساتهم.

وتبدو الصورة قاتمة عندما يطرح ناديا كبيرا مثل الزمالك مزايدة لتسويق حقوقه الرياضية، فلا يتقدم احد على الإطلاق من الشركات المعلنة، ولم ينقذ الأهلي إلا أرباحه المادية من مشاركته في بطولة إفريقيا ومونديال الأندية لكنه يواجه ضائقة مالية تكاد تعصف بطموحاته وتدفعه لإلغاء لعبات فردية ينفق عليها من مكاسب كرة القدم.

وتتجسد الأزمة عندما يعلن اتحاد الكرة عن بيع الهواء وحقوق البث الفضائي للدوري ويفاجأ بإحجام القنوات في مشهد يعكس بوضوح الحالة المأساوية والمصير المظلم للرياضيين وكافة المرتبطين بالحركة الرياضية واعدادهم بمئات الألوف ومعهم بيوت وعائلات تعتمد في ارزاقها على هذا القطاع البائس.

القضية تبدو بالغة التعقيد ولا تخضع لمقاييس لكنها بالتأكيد تخضع لإرهاب الالتراس المزايدين على حقوق ضحايا حادث ستاد بورسعيد والرافضين لعودة الرياضة ربما بالتحالف مع المخطط الجهنمي للدولة.

Email