من بعيد

مشاهد صحافية من دورات الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

من لم يحالفه الحظ فى حضور دورات كأس الخليج والمشاركة فى تغطيتها صحافيا، فاته الكثير من التجارب والخبرات الصحافية، اقول ذلك بمناسبة اقتراب بطولة كأس الخليج التي تقام فى مملكة البحرين مطلع العام القادم .

وكنت ومازلت أردد ذلك للزملاء الصحافيين القادمين من بعيد من واقع تجربة مهنية شخصية بدأت من البطولة السادسة فى ابوظبي عام 1982، وحتى الرابعة عشرة فى البحرين عام 1998، ولمن لايعلم فان العمل الصحافي أو الإعلامي فى هذه البطولة يحتاج الى صحافي يمتلك لياقة بدنية عالية وقدرة على بذل أقصى الجهد يوميا لإشباع نهم الصفحات المفتوحة والملاحق اليومية التي لاترحم وكبح جماح الجوع والنوم.

وربما تبدو المهمة في البطولة المقبلة أكثر سهولة فى التغطية الصحافية فى ظل توافر وسائل الاتصالات الحديثة التي تتيح إرسال الخبر والحوار والتحقيق الى مقر الجريدة فى التو واللحظة، ولا أنسى المعاناة التى عشناها فى البطولتين السادسة بأبوظبي والسابعة بمسقط مع زملائي رفعت بحيري وتاج ابوسوارالذي رافقني فى كثير من هذه البطولات، فلم نكن نملك سوى الهاتف الارضي لإرسال المواد، بواسطة القراءة الى قسم الاستماع فى الجريدة، وكانت وسيلة مرهقة وتستهلك من الوقت الكثير وتجهد الأحبال الصوتية فى إملاء المادة بصوت واضح سليم النطق.

ولكن تطور الأمر مع البطولة الثامنة في البحرين عام 1986مع ظهور اجهزة الفاكس وانتشارها، وأتذكر موقفا طريفا واجه فريق البيان فى مطار الرياض قبل أيام من البطولة التاسعة عام 1988عندما اضطررت مع زميلي المصور الفنان وليد قدورة إلى إجراء تجربة عملية للإرسال حتى يتأكد رجال المطار من حقيقة الفاكس الذي لم يكن معروفا ومتداولا فى ذلك الوقت.

التغطية الصحافية فى بطولات الخليج تعتمد على كثير من الكم، وقليل من الكيف والمطلوب على الأقل ملء ملحق من 8 صفحات عن البطولة ولا أنسى فى البطولة السابعة عندما خرجت جميع الفرق من المنافسة وأقيمت مباراة فاصلة بين قطر والعراق انتهى وقتها بالتعادل وامتدت وقتا اضافيا ثم ركلات الجزاء الفاصلة لتنتهي قبل منتصف الليل بدقائق، وعدنا الى الفندق لإرسال المواد والصور مع العلم إن الصورة الواحدة تستغرق 8 دقائق وكان مطلوبا إرسال 16 صورة، مما يتسبب فى تأخير طباعة الجريدة وعدم لحاقنا بالطائرة وبحسبة بسيطة اكتشفنا إن إرسال الصور سوف يمتد الى السادسة صباحا، ولم يكن أمامنا خيار اخر.

وكنت ومازلت من المتحفظين على المساحات الواسعة المخصصة لملاحق بطولات الخليج، لأنها تدفع الصحافيين الى الابتذال أحيانا وأذكر فى البطولة التاسعة ان اللجنة المنظمة رتبت لنا زيارة الى مكة لأداء العمرة تستغرق 15 ساعة وهو ما يتعارض مع الواجب المهني.

ولكن من أجل الزيارة تم الاتفاق على تبادل الموضوعات والمواد سواء تحليلات المباريات أو الحوارات أو التحقيقات، بين الوفود الصحافية، وكان المشهد ساخرا أن أجهزة الفاكس بشكل محموم دون توقف اشتغلت فى تلك الليلة بين الغرف فى تبادل المواد الصحافية وتم الانتهاء من ملء الملاحق قبل موعد العمرة بقليل، وظهرت الصحف فى اليوم التالي نسخة واحدة بنفس العناوين فى مختلف دول الخليج فى واحدة من أغرب المشاهد.

وفى البطولة الثالثة عشرة بمسقط استأجر الزميل الكبير محمد الجوكر شقة لوفد البيان، واحتجزني داخلها طوال المدة للتفرغ لكتابة المباريات والتحليلات وتقديماتها ثم تلقي الأخبار منه بالهاتف ولم أدخل ستاد مسقط طوال البطولة وكانت تجربة غريبة، الهدف منها اللحاق بموعد الطباعة وتكررت نفس التجربة فى البطولة 15 بالبحرين مع زميلي ابراهيم الديب.

وفى ظني أن العمل الصحافي فى بطولات الخليج يصقل الصحافي ويمنحه صلابة وحنكة اضافة الى استفادته بشبكة واسعة من العلاقات الجيدة مع المصادر كما نسميها فى مهنتنا، واتذكر أنني ظفرت بخبر انفردت به البيان عقب انتهاء تلك البطولة عندما وجدت نفسي وجها لوجه فى مسجد مطار المنامة مع محمد بن همام وكان رئيسا للاتحاد القطري، فسألته الى أين؟ فقال لي: أعود لاقدم استقالتي وأبدأ مشوار الوصول الى الاتحاد الدولي .

وفوجئ بن همام بالخبر والتقاني فى القاهرة بعد سنوات ضاحكا: خدعتني يا أبو عمرو.

Email