من بعيد

تاريخ «الأستاذ»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أتمالك نفسي عندما طالعت خبر احتفال الساحة الرياضية الإماراتية بالزميل الكبير القدير كمال طه، وطفرت دموعي لدى مشاهدة صورته وسط الأحباء من القيادات الرياضية والزملاء الصحافيين، متذكرا البصمة التي تركها في مشوار الصحافة الرياضية والدور النقدي البارز الذي ساهم من خلاله في تصحيح الكثير من العثرات والسلبيات والتركيز على وضع النقاط على الحروف بشجاعة في أوقات كان عمود الرأي أشبه بالمخاطرة والمغامرة غير مأمونة العواقب.

كمال طه كان ممن التقيتهم في أول يوم لي مع صديق العمر رفعت بحيري لدى وصولنا دبي يوم 17 أبريل 1980، ولم يبخل علينا بالنصح والإرشاد ولم يفارقنا بمشاعر صادقة ودودة ورقة مفعمة بالمحبة الخالصة، وطوال رحلتنا في سفينة الصحافة الرياضية، عشنا معا اجمل الرحلات وأصعب المواقف بداية من تصفيات كأس العالم في الرياض عام 1984 ، وانتهاء ببطولة كأس العالم في ايطاليا 1990، تعلمت من "الأستاذ" كمال طه الكثير، الهدوء في النقد وعدم الانفعال في الكتابة وتحاشي الانسياق وراء المبالغات.

واستفدت من أسلوبه في التعامل مع المصادر الصحافية، ومناطحتهم الرأي بالرأي والحجة بالحجة، دون أن يفقد خلافه معهم المودة والتقدير المتبادل، وكنت ابدأ يومي بقراءة زاويته اليومية في جريدة الخليج، ورغم عدم اتفاقي في الرأي معه كثيرا، كنت احرص على قراءة كلماته، والغوص في ثنايا حروفه، والتعلم من طريقته في النقد اللاذع الممزوج بخفة الظل، ودهشت كثيرا لجرأته في انتقاد أندية ذات سطوة ومكانة، ومبادراته في طرح القضايا الخاصة بالمنتخب أو سياسات اتحاد الكرة.

كمال طه لم يكن صحافيا منتميا لمدرسة الخبر والانفراد الصحافي، بقدر اهتمامه بطرح الرأي الصادق وربما المثير للجدل، كنا نقضي الليالي في دورات الخليج بحثا عن خبر إقالة مدرب أو عقاب لاعب أو تصريح جامد، في الوقت الذي يدون فيه موقفه مما يدور في أروقة البطولة، كان يكتب الرأي وبه رائحة مميزة، ولا أنسى رحلتنا إلى الأردن عام 1987 وزيارتنا للبحر الميت بعد أن اقنعني بالتوقف عن الكتابة وعدم تفويت الفرصة لرؤية هذا البحر الفريد.

أظن أن كمال طه في هذه المرحلة من حياته أطالها الله، بحاجة إلى بعض الوفاء من أحبائه وزملائه وتلامذته، والوفاء لم يكن ماديا بل نفسيا ومعنويا، ولا املك من القاهرة ونحن نعيش فترة من أسوأ وأصعب المنعطفات في تاريخ مصر، سوى أن ابعث إليه بكل الأمنيات الصادقة بالصحة وطول العمر، والاستمتاع برحلة جديدة مع أحفاده وعائلته، ولتكن الذكريات يا أستاذ هي رصيدنا الحقيقي بعد الرحلة الطويلة وبارك الله فيك.

Email