من بعيد

تمزيق وطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختلطت الأوراق وانقلبت الموازين عقب دقائق من إعلان العقوبات الرياضية للحادث المروع الذي وقع في استاد بورسعيد قبل أسابيع وراح ضحيته 74 مشجعا، واشتعل الشارع المصري في بورسعيد وأيضا في القاهرة من جانب المنتسبين للناديين المصري والأهلي وكلاهما يرفض العقوبة، ويهدد ويتوعد بالانتقام، ولم يمض وقت وجيز إلا وصدر بيان من التراس الأهلي ، ثم مسيرات كارثية بنفس العجرفة من التراس المصري وفي نفس الليلة سقط صبي متوفيا من ابناء بورسعيد دون مبرر وبلا مقدمات.

خلال الساعات التي اعقبت صدمة العقوبات، اختلط الحابل بالنابل، فجماهير الأهلي اصدرت حكما باستبعاد النادي المصري وهددت بمطاردة لاعبيه فى أي مدينة يلعب فيها الفريق خارج بورسعيد، وبنفس الأسلوب لجأ جمهور المصري للعنف وإيذاء منشآته السيادية وحاصر مقر هيئة قناة السويس مهددا بقطع طريق الملاحة الشريان الحيوي الدولي.

العنف مرفوض

العنف لم يكن مطلوبا خاصة ان الساحة الرياضية كانت تدرك ان أي عقوبة ستكون محل خلاف ولن يقبلها لا الأهلي ولا المصري ، وفي ظني ان فتوى الخبير الرياضي السوري فاروق بوظو، نبهت الأهلي الى ان العقوبات التي يطالب بها لن تكون مقبولة من الفيفا، وهي الهبوط أو تجميد النشاط لمدة زمنية، بعد نشر كلام بوظو، تحول موقف الأهلي الى اتجاه مختلف ووصف التجميد بأنه مؤامرة من اتحاد الكرة لصالح النادي المصري ، وتسبب ذلك في تأجيج المشاعر ولذلك انتفض الأهلي غضبا ومعه "التراسه".

وفي بورسعيد لعبت الانتهازية السياسية دورا مشهودا في إشعال الغضب قبل اعلان العقوبة ، ثم تفجرت المشاعر بعد إعلانها واختبأ الانتهازيون بعد ان أدركوا خطورة اللعب بالنار وعندما حاولوا إطفاءها فشلوا بعد ان ضللوا المشجعين وأساؤوا لأبناء بورسعيد ، وتعيش المدينة أسوأ عهودها في ظل عدم وجود حاكم أو قائد يوجهها ويعيدها الى الصواب.

الموقف لا يحتمل الهزل والعبث، فالوطن المصري يتعرض لوباء الفتنة ومحاولات مستميتة لتمزيقه، ويغيب الجميع عن المشهد، ويتحمل اتحاد الكرة البائس المسؤولية بالكامل والذي يدار بواسطة لجنة من الموظفين، في الوقت الذي يغسل الجميع يده من دماء الحادث وما تلاه من اخطاء قانونية جسيمة، ويصبح الشارع المكان المفضل لممارسة الضغوط، سواء بقطع الطرق في القاهرة من التراس الاهلي، أو محاصرة المصانع والمؤسسات العامة في بورسعيد من جانب التراس المصري، والتصعيد قائم والمزايدات محمومة ، والوطن ينزف.

 فليتوقف النشاط الرياضي، وليبحث اللاعبون والمدربون عن مهن أخرى ويبتعدوا عن الرياضة بعد ان تحولت الى صورة مكررة من الصراعات والتناقضات السياسية، وأظن أن كرة القدم مطلوب إيقافها بعد ان تحولت الى سلاح يقتل الأمل الذي كانت قد لاحت بشائره، للأسف الشديد.

Email