«من تحت الردم» تبلسم جراح متضرري انفجار بيروت

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في أعقاب الانفجار المدمر، الذي وقع بمرفأ بيروت في 4 أغسطس من هذا العام، تضافرت جهود العديد من المنظمات غير الحكومية، لتقديم كل الخدمات، التي شعروا أن حكومتهم «فشلت» في تقديمها للمتضررين. وتوافد المتطوعون في لبنان من كل حدب وصوب ، لدعم مبادرة «من تحت الردم»، التي تُقدم خدمات متنوعة، بداية من تنظيف البيوت من آثار الدمار، وصولاً إلى توصيل المواد الغذائية، وإعادة بناء المنازل المُهدمة.

استطاعت مبادرة «من تحت الردم»، رافعة شعار «معاً نحن أقوى... نحن الحكومة الحقيقية»، أن توحد جهود العديد من المنظمات، من بينها: «الخط الساخن للبرنامج الوطني للصحة النفسية في لبنان»، ومبادرة «بيتنا بيتك»، لتوفير سكن للمتضررين من الانفجار، وحركة «مُنتشرين» للعدالة الاجتماعية، ومنظمة «مواطن لبناني».

توفير مساكن بديلة

تقول بشرى بستاني من مبادرة «بيتنا بيتك»: «لقد توصلنا إلى فكرة توفير سكن بديل للأبطال من أفراد الأطقم الطبية والصليب الأحمر، الذين يتعاملون مع حالات الإصابة بفيروس «كوفيد 19». وتم تدشين المبادرة، على يد مجموعة من الأشخاص، التقوا أثناء الحراك الشعبي في أكتوبر 2019. واستطعنا أن نوفّر مساكن بديلة لـ 450 فرداً من الأطقم الطبية».

بعد وقوع الانفجار، عاد العمل مرة أخرى، من خلال الخطوط الساخنة، ونزل أعضاء المبادرة إلى الشوارع مرة أخرى، للعثور على المتضررين من الانفجار، وتقديم يد العون لهم.

وتوضح بُشرى قائلة: «بدأ الهاتف الساخن في تلقي المكالمات. وعلمت أن الناس لا يريدون مغادرة منازلهم، لأنهم كانوا في الغالب من كبار السن، ومعظمهم يسكن في هذه المنطقة منذ زمن طويل. ونعمل حالياً على توفير مساكن بديلة لنحو 20 % من المتقدمين، وبينما يطلب 80 % المساعدة في القيام بإصلاحات فقط في بيوتهم التي تضررت جراء الانفجار».

«التضامن» شعار العمل

قامت مبادرة «بيتنا بيتك» حتى الآن، بإعادة تأهيل 225 منزلاً، وجاري العمل على الانتهاء من 127 منزلاً، علاوة على وجود 132 منزلاً على القائمة، في انتظار توافر التمويل اللازم.

تضيف بشرى: «لدينا الآن مهمة مزدوجة، لأن أعداد المصابين بفيروس «كوفيد 19»، آخذة في الازدياد. ومن ثم، فإننا نتلقى حالياً مكالمات من الأبطال على خط المواجهة مع الفيروس، من أفراد الأطقم الطبية. وهدفنا هو الوصول إلى توفير 1000 منزل داخل بيروت وحدها».

وتواصل بُشرى الحديث عن سيطرة مشاعر الإحباط واليأس على الأجواء في كل مكان، بعد أن وجد العديد من السكان أنفسهم فجأة بمفردهم، حيث توضح ذلك قائلة: «نحن نؤكد لهؤلاء الناس، أننا نقف بجانبهم، ونعمل كمجموعة، يداً بيد من أجلهم.

إن هؤلاء الناس يعانون من ألم حقيقي نفسياً، ما لم يمكن جسدياً. لقد دُمروا داخلياً وخارجياً. إن ما نقوم به، هو جزء من العلاج، ولا يمكننا أن نخذلهم أبداً. إننا نخوض صراعاً حقيقياً، لأنه لا يوجد لدينا إحساس بأي نوع من الأمل، في أن أي شيء سيكون على ما يرام».

استجابة وطنية

يصف الخبير الاستراتيجي في حركة «منتشرين»، سامر مكارم، المبادرة، بأنها وليدة الاستجابة الوطنية للواقع بعد الانفجار. ويوضح هذا الرأي بقوله: «لقد شاهدنا وقوع العديد من الأحداث، وحاول الناس الاعتماد على أنفسهم لتلبية احتياجاتهم. ولذا، رأينا أن البلد في حاجة حقاً للوحدة، وأنه يجب أن تتضافر الجهود، ويستغل الجميع ما لديهم من قدرات. قبل وقوع الانفجار، كان لدينا مبادرة بعنوان «صندوق الطعام»، ولذلك، كان لدينا نشاط كبير للغاية على الصعيد الاجتماعي».

وتهدف مبادرة «منتشرين»، إلى تشكيل هيئة سياسية، لتقود حركة تغيير سياسية حقيقية، وهو ما يراه سامر بالأمر الذي تحتاجه البلاد بصورة ماسة. وقد قامت المبادرة، في أعقاب الانفجار، برسم خرائط لمناطق الأنشطة في مختلف أنحاء بيروت، وإرسال الأشخاص المناسبين إلى الأماكن الصحيحة.

ويواصل سامر الحديث بقوله: «كان من الصعب للغاية، أن ترى جيرانك وأبناء بلدك يقفون في طوابير انتظار، للحصول على كراتين المواد الغذائية. ولم يكن أي منا قد تدرب من قبل على أعمال الإغاثة والطوارئ. إننا مجرد مواطنين يحبون بلادهم، وشعرنا بأنه يجب علينا أن نقوم بما فيه صالح البلاد. تحيط أجواء الشعور بالصدمة والضغط النفسي، في ما نقوم به من عمل، وهي أمور مؤسفة للغاية. ولكن التجربة، التي مررنا بها خلال عملنا في إطار مبادرة «من تحت الردم»، كانت تجربة رائعة».

ضوء في نهاية النفق المظلم

تعد مبادرة «مواطن لبناني»، من منظمات المجتمع المدني الأخرى، التي تم إرساؤها خلال الحراك الشعبي، للقيام بجمع القمامة وإعادة تدويرها، وتحولت المبادرة بعد ذلك إلى حركة مدنية، تحمل على عاتقها مسؤولية تحقيق مجموعة من الأهداف المجتمعية.

يقول أحد أعضاء مبادرة «مواطن لبناني»، بيتر مرقّدي: «عندما وقع الانفجار، شعرنا بحاجة للوجود على الأرض. وبحلول اليوم الثاني، كان هناك مئات المتطوعين لتقديم المساعدة قدر المستطاع. لكن الأمر كان يفتقر إلى التنسيق والترتيب».

تم إرساء مبادرة «من تحت الردم»، ليتمكن القائمون على الجهود المبذولة، من الاستخدام المناسب لجميع الموارد وتنسيق الأنشطة، بما في ذلك جمع المعلومات عن الحالات المختلفة، ورسم خرائط لأحياء بيروت.

ويوضح بيتر مرقّدي، الذي يشغل منصب المدير الإداري للشركة المسؤولة، عن إدارة تطبيق «توترز دلفري» للتوصيل، المدير التنفيذي السابق لجمعية ماراثون بيروت: «كان هدفنا الوصول إلى 3000 أسرة، وتأكدنا من أن لدينا جميع البيانات، التي تم التحقق منها داخل دائرة الانفجار. لقد حرصنا كذلك على أن نتمكن من إعادة تدوير الزجاج المكسور، ومن ثم قمنا بفرز ما يقرب من 80 طناً من الزجاج. واستطعنا أيضاً توفير المأوى لأولئك الذين تهدمت بيوتهم جراء الانفجار».

تزايد الأنشطة كماً وكيفاً

انتقلت «من تحت الردم»، إلى منشأة داخلية أكبر في الجميزة، لتقديم حل متكامل. ويضيف بيتر: «لدينا الآن مخزن ضخم، ومركز طبي، وتجمع من المهندسين مخصص للحفاظ على التراث، ونقدم خدمات الإغاثة النفسية في مقر إقامة الأفراد عند الضرورة.

وساعدنا في عملية إعادة بناء ما يقرب من 500 منزل، وقدمنا المواد الغذائية إلى 2000 أسرة. وتزيد هذه الخدمات التي نقدمها بصورة يومية، بمساعدة المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، وأبناء لبنان في الخارج، ومواطنين من دول العالم المختلفة. وتتمثل الخطوة التالية للمبادرة، في بدء حملة لتأمين المزيد من الدعم.

ويختتم بيتر الحديث بقوله: «يكرس مستشارو شركة أوليفر وايمان، كل جهودهم، لوضع مقترح للوصول برسالتنا إلى أكبر عدد ممكن من الناس».

 

 

 

 

Email