مبادرات لإعادة إحياء مباني بيروت التراثية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر من شهرين مرّا على انفجار مرفأ بيروت وعلى الفاجعة التي أصابت العاصمة اللبنانية وضواحيها، لكن جراح المدينة وسكانها لم تلتئم بعد، والآثار ما زالت واضحة على البشر والحجر.

«بيروت في منازل الذاكرة» هو واحد من برامج كثيرة لإحياء أبنية بيروت التراثية؛ أطلقته مؤسسة هبة القواس الدولية برعاية وزارة الثقافة اللبنانية وبالتعاون مع شركاء آخرين لمساندة العائلات المتضررة من جراء الانفجار بغية تمكينها من الاستقرار.

يتضمن هذا البرنامج تدعيم المباني المتأثّرة بالانفجار، وتقديم الدعم الاجتماعي والمعنوي والنفسي للأطفال والشباب الأكثر تضرّراً من تبعاته. «بيروت في منازل الذاكرة» تريد ترميم اثني عشر بناءً تراثياً هُدّمت جزئياً أو كليّاً جرّاء انفجار المرفأ. ومن ضمن سلسلة المشاريع، سيُقام حفل موسيقيّ فنّي مبنيّ على موسيقى القوّاس السيمفونية وأغنياتها الأوركسترالية مهداة إلى بيروت العائدة من الدمار، ليُقدّم رَيع الحفل لبرنامج الترميم.

قد يحتاج اللبنانيون، سواء ممن تضرروا مباشرة أم لا، سنوات طويلة للملمة جراحهم، إلا أن الأكيد أن كل المبادرات مرحب بها لإعادة إعمار الحجر وتحديداً الأبنية التراثية. وكان سركيس خوري، مدير عام الآثار في وزارة الثقافة، أعلن قائلاً: «نحن في وزارة الثقافة، المديرية العامة للآثار نعتبر أنفسنا أننا أُصبنا في عقر دارنا لما تتمتع به هذه المنطقة من طابع تراثي ومعماري مميز وغني يمزج بين الفترة العثمانية وفترة الانتداب ومن التراث المعماري الحديث».

قانون الآثار القديمة

وبالفعل، تطلعنا المهندسة المعماريّة سينتيا بوعون أنه، بحسب المسح التي أجرته أخيراً المديرية العامة للآثار للأحياء المتضررة بعد انفجار 4 أغسطس خلص تقريرها إلى وجود 810 مبانٍ تراثية تتوزّع بين أحياء المدوّر والمرفأ والرميل والصيفي والأشرفية والباشورة وزقاق البلاط وصولاً إلى بعض أحياء مينا الحصن والمصيطبة وعين المريسة. ويبلغ عدد الأبنية التراثية المتضررة 640 مبنى؛ ستون إلى ثمانين منها بحاجة إلى أعمال ترميم كبيرة.

وهنا لا بد من التفرقة بين الأبنية الأثرية والتراثية، حيث تشير بوعون إلى أن الفارق موجود بينها. «الآثار جامدة لا تتغيّر بينما التراث حي ومستمر، ونسعى اليوم لحماية الأبنية والأحياء التراثية في بيروت».

وتخضع حماية الأبنية التراثية في لبنان لقانون الآثار القديمة 166 ل.ر الذي صدر عام 1933 والذي يحدّد الآثار بكلّ ما صنعته يد الإنسان قبل عام 1700 وهي تلقائياً تحت حماية المديريّة العامّة للآثار؛ وتكمل بوعون شرحها قائلة أمّا كل المباني التراثية التي شيّدت بعد سنة 1700 وفي حفظها صالحٌ عموميٌّ من وجهة التاريخ أو الفن (ومنها المباني التراثية التي تعود للحقبة العثمانية وللانتداب الفرنسي)، فعليها أن تُسَجَّل في «قائمة الجرد العام للأبنية التاريخيّة» لكي تُعتبَر شبيهةً بالآثار القديمة ولتخضع لأحكام هذا القانون.

وتشير بوعون إلى أن عدد المباني التراثية في بيروت تفوق عدد تلك المسجلة على لائحة الجرد؛ فالأخيرة تتضمن 75 مبنى مسجلاً فقط، فيما تحوي المدينة فعلياً أكثر من 1000 مبنى وتحديداً 1016 بحسب المسح الأولي لجمعية حماية المواقع والأبنية القديمة في لبنان «أبساد» عام 1995 في الأحياء المجاورة لوسط بيروت التاريخي.

مهما كان عددها، كثيرة إذاً هي التي تضررت وهبّت العديد من المبادرات لإنقاذها؛ جميعها تحت مظلة المديرية العامة للآثار وتحت إشرافها وبالتعاون أيضاً مع المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث كاليونيسكو والإكروم (المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية) ومنظمّة أليف.

وقد تم إطلاق مبادرة «إنقاذ التراث المبني في بيروت 2020» التي تجمع مهندسين معماريين واختصاصيين في الترميم وتقوم بمسح وتوثيق تفصيلي للمباني التراثية المتضررة من أجل ترميمها، كما وتنسق مع الجمعيات والمبادرات التي تعمل على ترميم المباني التراثية لتوفير الدعم التقني الفنّي والتوصيات التي يجب اتّباعها للترميم.

أو حتى «مبادرة بيروت للتراث» التي أطلقتها مؤسسات من المجتمع المدني اللبناني لتكون هيكلاً تنسيقياً شاملاً من أجل ترميم التراث العمراني والثقافي في بيروت.

منازل بيروت التراثية بحاجة ماسة لهذه المبادرات الفردية أو الجماعية، سيما أنه، بحسب بوعون، قُدّرت كلفة أعمال ترميمها بـ 285 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم وغير متوفر.

ولكن التحدي الأكبر هو، كما تقول بوعون «عدم توافر مواد البناء التقليدية كالخشب القطراني والقرميد الفرنسي القديم، وهي مواد تستعمل في أسطح البيوت التراثية التي تصدّعت بشكلٍ كبير، وإذا لم يتم إصلاحها بسرعة قبل الشتاء، قد تنهار بعد أوّل أمطار». وتضيف «نفتقد اليوم أيضاً للحرفيّين الذين لديهم مهارات عالية والخبرة في أساليب البناء التقليدية (معلّمي الحجر الرملي والبلاط والخشب على الطريقة القديمة)».

يعمل إذاً الجميع في سباق مع الوقت، لأن عدد المباني المتضررة كبير جداً، وتدعيم بعضها قد لا يكون كافياً. إلا أن الأمل يبقى أن تُثمر كل هذه المبادرات وتنجح في ترميم واجهات هذه الأبنية أو أسقفها أو شبابيكها، لئلا نخسر وجه بيروت وأحيائها التراثية.

* باحثة اجتماعية

Email