التبرّع بالدم.. أمل متجدد في الحياة

التبرع بالدم_bak (002)

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسعى المنظمة غير الحكومية إلى تثقيف الناس في لبنان ورفع درجة وعيهم بأهمية التبرع بالدم طوعاً من دون مقابل.

يواجه لبنان أزمة مستمرة في توفر الدم، حيث يعتمد نظام التبرع بالدم في البلد، على «تعويض» وحدات الدم المطلوبة من خلال تبرعات الأصدقاء والأقارب.

وهذا وضع غير مأمون النتائج، ويتسبب في بعض الأحيان بوقوع وفيات. وكثيراً ما ينشر الأفراد طلبات للتبرع بالدم في مستشفيات بيروت على موقع تويتر، باحثين عمّن يساعدهم من خارج دائرة عائلاتهم.

ويقول يورغي تيروز مؤسس الجمعية الوطنية للتبرع بالدم «العطاء بلا مقابل (DSC) Donner Sang Compter» معلقاً: "ترى المريض في كثير من الأحيان يتصل وهو في حالة هيستيرية بكل من يعرفه، للحصول على تبرع تعويضي بالدم، عقب إجراء عملية جراحية. وقد يشكّل ذلك أحياناً، الحد الفارق بين الحياة والموت، وهو أمر لا ينبغي لمريض بالمستشفى أن يقلق بشأنه أبداً".

بالرغم من وجود 116 بنكاً للدم في المستشفيات، و13 بنكاً للدم تابعة للصليب الأحمر في لبنان، لا يزال البلد يعاني من نقص شديد في إمدادات الدم. فمن الضروري توفير حوالي 140,000 وحدة دم (450 ملل لكل وحدة)، لاستيفاء الطلب في لبنان، لكن لا تستطيع بنوك الدم توفير إمدادات بالكمية المطلوبة، بسبب التضارب الكبير بين التشريعات والتوجيهات المنظّمة للمسألة.

بحسب منظمة الصحة العالمية، يبلغ عدد سكان لبنان 4.5 ملايين نسمة فقط. ولكن، بسبب الحرب المستمرة في سوريا، قد استقبل لبنان حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، بالإضافة إلى 450,000 لاجئ فلسطيني، وفق إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويقول تيروز عن ذلك:

"تشكّل هذه الأعداد عبئاً يثقل كاهل الحكومة اللبنانية، لأن عليها إدماج هؤلاء اللاجئين في المجتمع اللبناني وتلبية احتياجاتهم الأساسية. ويمثّل نظام الوحدات التعويضية القديم تحدياً إضافياً للاجئين، لأنهم يأتون من دون أفراد عائلاتهم، ولا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى وحدات الدم عند الاحتياج إليها".

يورغي تيروز مواطن لبناني يبلغ من العمر 32 عاماً. يقول تيروز عن أسباب إنشائه الجمعية: "لا نملك بنكاً مركزياً للدم، فلكل مستشفى مخزونه الخاص، ويعتمد النظام على تعويض الوحدات المستهلكة، أي إن كان أحد معارفك يحتاج إلى الدم أو بصدد إجراء عملية جراحية، فمسؤولية توفير الدم تقع عليك أنت، وليس على الحكومة".

أنشأ تيروز جمعية «العطاء بلا مقابل» في منزله عام 2009، لمواجهة مشكلة نقص وحدات الدم في البلد. وتضم منظمته غير الحكومية اليوم، فريق عمل كبير، وتجتذب حوالي 20,000 متبرع على المستوى الوطني. وبحسب تيروز، قد ساعدت الجمعية في إنقاذ حياة ما يصل إلى 80,000 شخص.

وعن السبب الذي دفعه إلى إنشاء الجمعية، فيكشف تيروز عن أن التزامه بتوفير هذه الخدمة، نتج عن تجربة شخصية جداً. فيقول: "تعرضت لحادث سيارة عام 2006. كنت أحاول تفادي شخص ما أثناء قيادتي، لكن الطريق كان سيئاً، فطارت سيارتي إلى الجانب آخر من الطريق، وقتلت الرجل الذي كان يقود سيارته على الجانب الآخر من غير قصد، فدخلت السجن لبعض الوقت نتيجة لذلك.

لكن نجح شخصٌ في إخراجي من السجن، وكان جدّ السائق الذي قضى نحبه في الحادثة. وفي يوم من الأيام، احتاج هذا الرجل إلى الدم عقب إجراء جراحة قلب مفتوح، فتبرعت له بالدم، وشجعت جميع أصدقائي على التبرع بالدم له أيضاً، وقد كُتبت له النجاة بعد العملية".

ويضيف تيروز: "سيقول البعض: «لقد قتلت شخصاً!». ولكنني أنظر إلى هذه الحادثة من منظور مختلف: لقد أنقذ جدّ السائق المتوفى حياتي. فلو لم يهب لمساعدتي، لكانت سيارتي وقعت من أعلى الجسر. وها أنا ذا ما زلت على قيد الحياة، وعليّ أن أردّ الجميل".

تزوّد جمعية «العطاء بلا مقابل» اليوم، المرضى بوحدات الدم، من خلال قاعدة بيانات بالمتبرعين المحتملين، يتم حشدهم عبر مركز للاتصالات وتطبيق للهواتف الخلوية، بالإضافة إلى حملات متكررة للتبرع بالدم، يتم تنظيمها بالتعاون مع المستشفيات والجامعات.

هذا، وتسعى المنظمة غير الحكومية، إلى تثقيف الناس في لبنان، ورفع درجة وعيهم بأهمية التبرع بالدم طوعاً من دون مقابل. وبحسب تيروز، ساهمت مختلف الحملات التي انطلقت على الصعيدين الوطني والدولي، في تشجيع المتطوعين والمتبرعين وفي نشر ثقافة التبرع بالدم.

ويقول مؤسس الجمعية، إنه زادت نسبة التبرعات «الطوعية» بالدم في مقابل التبرعات «التعويضية»، من 4 في المئة إلى 11 في المئة في السنوات الأربع الأخيرة. وتشكّل الوحدات التعويضية التي يتم التبرع بها، نسبة الـ 89 في المئة المتبقية من إجمالي الوحدات، وتكون 2 في المئة من التبرعات مدفوعة الأجر!

تقوم إحدى ركائز عمل الجمعية، على تنظيم حملات التبرع بالدم. فخلال السنوات الأربع الماضية، ساهمت جمعية «العطاء بلا مقابل»، في تنظيم حوالي 750 حملة للتبرع، حيث يتم إرسال حافلات مجهزة بالكامل لجمع وحدات الدم من مراكز رئيسة في البلد.

ويعقّب تيروز قائلاً: "يطلب منا 30 مستشفى يحتاج إلى وحدات ضخمة من الدم، تنظيم حملات التبرع بالحافلات. وتتولى المستشفيات نفسها عمليات الاختبار وجمع الوحدات. أما من جهتي، أهتم بالتسويق والتوظيف وتنسيق المتطوعين، ووضع جدول الحملة الزمني في مختلف المواقع، باستخدام إحدى الحافلتين المخصصتين لذلك".

ويضيف: "بعد كل حملة، يحظى كل مستشفى بمخزون كافٍ من وحدات الدم، ما يخفف العبء عن كاهل المرضى".

وما يثير الإعجاب، هو أنّ جمعية «العطاء بلا مقابل»، ممّولة ذاتياً بالكامل حتى الآن. وفي عام 2009، حازت الجمعية على منحة بقيمة 50,000 دولار من جائزة الملك عبد الله الثاني للإنجاز والإبداع الشبابي في الأردن. ويعلّق تيروز قائلاً: "بفضل هذه المنحة، استطعت تسجيل علامة تجارية، وإنشاء مكتب والاستعانة بموظفين لتطوير جهود الجمعية".

وقد استثمر تيروز 5,000 دولار من مبلغ هذه المنحة، لتصنيع سوار خاص بالجمعية، أطلق عليه سوار «أخ بالدم» (Blood Brother). ويقول عنه: "يحمل السوار فئة دم الشخص الذي يرتديه. وكنت أبيعه في المكتبات الكبرى مقابل سعر رمزي يبلغ 3 دولارات.

فأحب الناس فكرة السوار، وما زلنا نبيع أعداداً كبيرة منه، وهكذا أستطيع الحصول على بعض الأموال!، في الواقع، إن المبيعات لا تغطي جميع التكاليف التشغيلية، لكنها تنجح في إدخال 20,000-30,000 دولار إلى الجمعية سنوياً".

لا يكتفي تيروز بمشاغله المتعددة، إذ ينوي الترشح في الانتخابات اللبنانية، المزمع إجراؤها هذه السنة.

يحمل حزبه اسم «بيروت مدينتي»، ويقدّم نفسه على أنه حركة شعبية، علماً بأن الحزب حاز على 40 في المئة من الأصوات خلال انتخابات البلديات الأخيرة. ويعلّق تيروز: "فرص نجاحنا أكبر هذا العام، مع إقرار القوانين الانتخابية الجديدة. لقد حاولت تغيير الوضع الحالي من الخارج، لكن حان الوقت لإحداث تغيير فعلي من الداخل".

 

 

 

Email