طريق للحب الأكبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن يوماً عادياً بالنسبة لأحدهم بسبب شعوره بالضيق المفاجئ الذي لا يعرف أسبابه، فهو يملك كل ما يتمناه الآخرون من مال ومنصب مرموق وأسرة رائعة، فما الذي يجعله بهذا القدر من الاستياء والضيق؟

لذا قرر ليلاً التوجه إلى المقهى على غير عادته علّ وعسى أن يخفف ذلك الضيق الذي يشعر به.

وبينما هو في المقهى منغمس في ذاته وعاجز عن التفكير، يخترق أحدهم الصمت والهدوء ليسأله: يبدو لي أننا التقينا مسبقاً في مكانٍ ما؟ فاستغرق بضعَ دقائق ليتذكر، فأخبره: نعم لقد تذكرت، التقينا في إحدى مهامي الرسمية في الخارج، وجهك الذي يشع بالسعادة لا يُنسى.

وحين بدأ ذلك الشاب بالتحدث عن الكثير من المواقف المضحكة التي مر بها الفترة الأخيرة، يسأله الشاب الثري: أتمنى أن أكون مثلك، أنا أشعرُ بضيق الصدر بالرغم من أني أملك كل شيء.

قال ابن القيم: «ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله، وتعلّق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئاً غير اللّه عُذِّب به.

الحب الذي يوصل الإنسان لحد الإدمان يلهيه عن الذكر؛ لأن قلبهُ تعلق بغير الله إما بحب الناس والتعلق بهم أو بجمع المال».

فالأمور التي تتسبب في ضيق الصدر هي اتّباع الهوى وكثرة المعاصي والذنوب، والتي تُعمي بصيرة القلب عن اتباع الصواب وتطمس نوره وتحجب عنه طرق الهداية والتقرب إلى الله؛ لأنه منشغل بأمور الدنيا الفانية التي قد تؤدي إلى التهلكة، فمن تعلّق قلبه بغير الله كان من أكثر الناس ضيقاً.

للمحبة في الله ثمرات طيبة يجنيها المتحابون من ربهم في الدنيا والآخرة، والحبّ في الله يجب أن يكون معتدلاً بحيث لا يحب الشخص أخاه حبّاً يشغل قلبه وجوارحه عن ذكر الله تعالى، بل الأصل أن يكون هذا الحب طريقاً للحب الأكبر.

«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ * أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (28) - سورة الرعد.

من المهم أن نسمح للآخرين ولبعض الأمور أن تدخل حياتنا بإرادتها، وإذا اكتشفنا في يوم رغبتهم بالرحيل، فلنفسح لهم المجال بكل حـُب؛ لأننا بذلك نسمح للأشخاص الأفضل والأشياء الأجمل أن تدخل حياتنا.

فكلما تحررنا من الأشخاص والأمور التي تقيدنا وتبعدنا عن الله جل في علاه، كنا أكثر سعادة ويقيناً بأن المؤمن مها صعُبت عليه الأمور واشتدت به الأزمات والابتلاءات ازداد إيماناً بالله، ويقيناً بأن كل ما يصيبه هو خير لأنه في عناية أرحم الراحمين.

Email