الحوكمة والحكومة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مصطلح قديم ولكنه لا يبلى أبداً، بات محل اهتمام القادة وصناع القرار، طوق نجاة وقوة ناعمة، تستعين به الحكومات الطامحة للتميز والريادة والتنافسية وتحقيق مصلحة الوطن.

يعود لفظ الحوكمة إلى كلمة إغريقية قديمة تعبر عن قيم وأخلاق ونزاهة وسلوك ربان السفينة، ومهاراته في القيادة وسط الأمواج والأعاصير، وقدرته في الحفاظ على أرواح وممتلكات الركاب، ودفاعه عنها ضد القراصنة وضد الأخطار التي تتعرض لها أثناء الإبحار، فإذا ما وصل القبطان وحمولته بسلام، أطلق عليه التجار وأمراء البحار لقب «القبطان المتحوكم جيداً».

تعمل الحوكمة على تأطير إدارة شؤون الحكومة بالمعنى المؤسسي والإداري، من الناحية الاجتماعية، والأخلاقية، والقانونية، والإدارية، والمؤسسية، وتعدُ خارطة طريق لإدارة الأداء الحكومي الرشيد، وبوصلة لتحديد الوجهة، وصمام أمان لصناعة القرار القيادي الرشيد، وفق قاعدة «ما يجب وما لا يجب، وما يتعين وما لا يتعين عمله في بيئة العمل المؤسسي»، من خلالها تحقق المصلحة العامة في إطار التشريعات والقوانين واللوائح النافذة، كيف لا! وهي تحدد الحقوق والواجبات والمسؤوليات بين القادة والموظفين في بيئة العمل الحكومي من جهة، وبين الحكومة كسلطة تخدم الناس، وأفراد المجتمع المدني وكافة فئاته وشرائحه ومؤسساته، «جميع المعنيين والمتعاملين»، بما فيهم الشركاء والموردون من جهة أخرى.

في رحلة التميز والريادة والتنافسية، مر الأداء الحكومي بعدد من المراحل المؤسسية، مرحلة الجودة، ثم مرحلة التميز، فمرحلة الإبداع والابتكار؛ إلا أن مستوى نضج الحوكمة المؤسسية لم يبلغ مستوى الطموح في القطاع الحكومي، وتفاوت وتباين التطبيق في الأداء، بدءاً من أداء الأفراد في إطار وحداتهم التنظيمية، وانتهاءً بأداء المؤسسات في إطار التشريعات والقوانين واللوائح والسياسة العامة للحكومة.

وبالتالي علينا مراجعة الأداء، وقياس مدى ترسيخ قيم الحوكمة في بيئة العمل قبل تطبيقها، فتهذيب وتأهيل السلوك والقيم الإنسانية والمؤسسية لدى الموظف العام، هي الغاية الأولى من حوكمة الأداء الحكومي.

وخلاصة القول، شخّص «ربان سفينة الحكومة» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «رعاه الله»، أزمة الحوكمة في مقولته المشهورة «إن أزمة الأمة اليوم ليست أزمة مال أو أزمة رجال أو أزمة أخلاق أو أزمة أرض أو أزمة موارد، كل هذا موجود والحمد لله، ومعه السوق الاستهلاكية الكبيرة.. ولكنها أزمة إدارة، لو كانت الإدارة العربية جيدة «متحوكمة»، لكان الاقتصاد جيداً والتعليم والصحة والإعلام والخدمات الحكومية والثقافية والفنون وكل شيء آخر جيداً».

 

Email