لا تزال ذكريات العيد «العود» محفوظة بذاكرتي عصية على النسيان، مقرونة بأعذب الذكريات وتفاصيل بساطة الحياة في الماضي..
فعندما انتقلنا إلى منزلنا القديم في منطقة المصلى في الشارقة كانت مقدمات هذه المناسبة العظيمة بادية وقد لفتت أنظارنا، أنا وإخوتي الصغار، فمصلى العيد فتحت أبوابه وأضيئت أنواره وتسابق المشرفون عليه لتنظيفه وتجهيزه لاستقبال المصلين.
في تلك الأثناء، كنا نتجول حول المصلى بخشوع لهيبة المكان، وجلال هذه المناسبة الأثيرة على القلوب.
كان ذلك في يناير 1974، الموافق لعام 1393 للهجرة، حيث أخذت البلدية تجهز المصلى وتقيم أكشاكاً لبيع الحلويات وتنصب بعض الألعاب لاستقطاب الأطفال، وقريباً من المصلى تم بناء مسرح يملأ أيام وليالي العيد بالمسرحيات الهادفة.. وفي صباح يوم عيد الأضحى كان في مقدمة المصلين صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي شارك الجموع الغفيرة من المواطنين والمقيمين أداء الصلاة.
فرغنا من صلاة العيد وانطلقنا إلى ألعابنا، نتنقل بين المريحانة والدوارية والديارف، يغمرنا الفرح والسرور، وعلى هامش هذه الفعاليات كانت تذبح الأضاحي.
وفي اليوم الثاني للعيد شاهدت أول مسرحية في الهواء الطلق من تقديم مسرح الشارقة الوطني.. كان أبطالها الفنانة مريم سلطان والفنان سيف الغانم وغيرهما، وكان يصحبنا والدي يومياً إلى هذه الفعاليات، وسألته حينها عن ذكرياته هو عن العيد العود فقال لي:
كانت تقام الفعاليات تحت شجرة الرولة وكنا نأتي أنا وعمي سيف من الليه إلى المريجة بالعبرة لنسلم على الشيوخ ونحضر الفعاليات بعد صلاة العصر التي تقام تحت هذه الشجرة مثل الرقصات الشعبية والرزفة، ثم يقام سباق الخيل ونشاهد البنات يلعبن لعبة المريحانة وينشدن أناشيد خاصة بهن، والأولاد يلعبون ألعاباً خاصة بهم، كما تبيع السيدات النخي وزق السبال والبسال (الرطب المجفف).
كما يبيع آخرون النامليت بالأحمر والأصفر بالليمون مثل الفانتا الذي كان لذيذاً جداً، ولن تكتمل الفرحة إلا بزيارة الأهل في أول يوم من الصباح حتى المساء، ولا أنسى العيدية التي كنا نأخذها من كل منزل، كانت العيدية ما بين درهمين وخمسة دراهم، وعند عودة الحجاج تبدأ المنازل بوضع «نشرة» مثل العلم لونها أخضر دليلاً على عودة حجاجهم بالسلامة، وعندما نذهب للسلام عليهم تبدأ الحاجة بتوزيع الهدايا على الأطفال مثل الصواية المرسوم عليها نخلة وجمل وكاميرا مرسوم فيها مناسك الحج، وللأولاد قحافي مذهبة وغير مذهبة، وللجميع مسابيح وسجادة للصلاة وعجوة المدينة.
وفي هذه الأيام ما زلنا نعيش هذه الفرحة ببهجتها وسرورها وأيامها الحلوة، ولكن اختلفت عند الأطفال.. لا يهتمون بماذا يلعبون، ولكن يهتمون بكم من الفلوس يجمعون، وتراهم يفتحون محافظهم ويعدون، وإذا أعطيتهم ما بين خمسين ومئة يقولون لك «هذه ليست عيدية، إحنا عيديتنا من خمسمية وفوق».