جذور التسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

في هذه الحياة عندما تُفقد فضائل التسامح بين البشر كافة، فإن معالمها يستحيل أن تظهر على السطح إلا إذا ارتقت جذور أبنائهم أخلاقياً وعلمياً وأدبياً.

التسامح كلمة جميلة ناصعة البياض تحتوي بين طياتها وجنباتها على أمور راقية ذات أهداف وغايات، لا يستخدمها سوى قلَّة من النَّاس الذين يمتازون بجذور قيمة وبقلوب كبيرة، وممن أفاض الله عليهم بأبجديات الرحمة والصبر والروية والتأني والتريث على المكاره كافَّة، واحتمال الأذى والقدرة على مواجهة العبارات السيئة بالحسنة، كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}

التسامح جذور من العقيدة الإسلامية التي تقوم مبادئها على التقبل وحب الخير للناس كافَّة على اختلاف أجناسهم ولغاتهم ودياناتهم، وفتح أبواب الحوار على مصراعيه مع كل الأديان والمذاهب.

كثير من الأقوال أثبتت وجود التسامح مع الإنسان منذ الخليقة، فهي فضيلة موجودة في كل مكان، وتُعَدُّ الرمز التاريخي للإنسان وعظماء الرجال سواء كانوا شخوصاً أم أفكاراً، فما أحوج الأمة الآن إلى استذكارها دوماً، فقد قال الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عن التسامح هذه المقولة الجميلة: إذا سمعت الكلمة تؤذيك، فطأطئ لها حتى تتخطاك.

وقال غاندي: إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟!

ولنا في رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، قدوة حسنة، عندما فتح النبي محمد، صلوات الله وسلامه عليه، مكة المكرمة وقف عند باب الكعبة مخاطباً أهل قريش: يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، النَّاس من آدم وآدم خلق من تراب، يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً.. أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لي ولكم.

إن غياب التسامح عامل مهم في تدهور الشعوب فيما بينها، فالتطور والتقدم يتوقفان على التسامح وعلى العلاقات الجيِّدة بين أبناء الأمة الواحدة، وعلى ذلك يتحقق الانسجام والإصلاح المطلوب سياسياً واجتماعياً.

التسامح باب للشفاء من أمراض الذات المفرطة في العلو والتعالي، ما يجعل الناس يتمتعون بقدر من الصفاء النفسي والوعي الجماعي، ويجعلهم أكثر تسامحاً ورغبة في نسيان الخلافات، والقبول بالتعاون مع الآخرين، وحينئذ يمكن لفكرة جذور التسامح المتراكمة تاريخياً في الثقافة العربية والإسلامية أن تصبح قيمة عملية فعَّالة تجاه النفس مع تعميقها وتحقيقها.

 

Email