حديث صريح عن التوطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل مرة يثار موضوع توطين الوظائف، أستذكر تجربة مهمة حققناها في بلدية دبي في بدايات حياتي العملية، وهي تجربة تمكين الإخوة أصحاب الهمم.

فقد خصصت في فريقي عدداً من الأماكن لأصحاب الهمم، ولكننا عاملناهم معاملة متساوية بحيث يشعرون بالثقة والمسؤولية لا بالتمييز. وكانت المفاجأة جودة ونوعية العمل الذي كانوا ينجزونه، وحماستهم في إنجازه، إلى حد أن أحدهم كنا نضطر للضغط عليه ليأخذ استراحته.

هذا نموذج تطبيقي اخترت أن أفتتح به هذا النقاش لإدراكي أن كثيراً من النقاش العام حول موضوع التوطين يكاد لا يتعدى التنظير البعيد عن الواقع، ولأسباب مختلفة بعضها العجز عن اتخاذ القرار الإداري المناسب، وبعضها لعوامل أخرى ترتبط بالكفاءة الإدارية والشخصية.

التوطين ركنه الأساسي تمكين المواطنين والمواطنات ومنحهم الفرص لإظهار مهاراتهم وهذا لا يتم بين يوم وليلة، لذلك أجد أن أنسب طريقة لذلك تتمثل في الإحلال الوظيفي التدريجي، بحيث يمنح الموظف المقيم مهلة ستة شهور، يتم خلالها اختيار المواطن البديل وتدريبه وتأهيله للوظيفة المطلوبة.

وأقترح هنا وضع نظام نقاط للإدارات العليا في المؤسسات والدوائر الحكومية يعتمد على نسبة التوطين من مستويين؛ مستوى للتوطين في الوظائف القيادية وآخر للتوطين في الوظائف الأخرى، بحيث تدخل هذه النقاط في آلية تقييم المدير المعني عند النظر في تجديد تعيينه من عدمه.

ويستكمل هذا المسار أهمية إغلاق بعض الوظائف على المواطنين، مثل وظائف الكاشير في البنوك، وموظفي خدمة العملاء في المؤسسات الكبرى والمستشفيات وكذلك مديري الموارد البشرية، وفنيي التصوير والفيديو والصوتيات في قنوات الإذاعة والتلفزيون ومؤسساتنا الإعلامية المختلفة. ولا بد لتعزيز ذلك من تحديد كوتا خاصة بالمواطنين في الشركات الخاصة حسب عدد موظفيها.

وهناك ضرورة للتوسع في السياسات الوطنية الداعمة للتمكين الوظيفي، وفي هذا الإطار أتمنى إعادة النظر في برامج التدريب والتأهيل غير الجامعي ومدى توافقها مع حاجات سوق العمل، مع أهمية التركيز على تعليم اللغة الإنجليزية لهؤلاء لتحسين تنافسيتهم في سوق العمل (وخاصة إذا تنافسوا خارج إطار الدعم الحكومي).

واستكمال ذلك بدراسة مخرجات التعليم الجامعي وربطها بطبيعة سوق العمل سواء الحكومي أو الخاص حسب التخصصات، بحيث يكون هنالك تصور واضح مثلاً لطبيعة التخصصات التي تحتاجها الحكومة أكثر خلال العشرين سنة المقبلة، والتخصصات التي يحتاجها القطاع الخاص أكثر خلال الفترة ذاتها.

وسيتطلب ذلك إحداث تعديلات تطبيقية في المناهج التعليمية، بالإضافة إلى دعم الشباب المواطنين الذين اختاروا العمل المستقل وإعطاؤهم الأولوية في مشتريات المؤسسات الحكومية.

واسمحوا لي هنا بأن أستكمل هذا النقاش باقتراح تأسيس شبكة وطنية للتوطين، بحيث تضم الهيئات الاتحادية والجهات المختصة في الحكومات المحلية لتشرف على إدارة عملية توظيف المواطنين في المواقع المختلفة وبناء قاعدة بيانات وطنية موحدة تخدم الجميع، بحيث لو احتاجت دائرة في دبي مثلاً خمسة مهندسين مواطنين ولم يتوافر في دبي سوى ثلاثة، تجد فوراً ضالتها في هذه الشبكة فتعين من يتوافر في العين أو رأس الخيمة مثلاً.

هؤلاء أبناؤنا وبناتنا. امنحوهم الفرصة التي يستحقونها.

 


 

Email