لم ترَ الصورة كاملة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح السعي وراء الكمال رحلة البعض في مواقع التواصل الاجتماعي، لكونها عموداً أساسياً لرفع سقف علاقاتهم العامة وكسب محبة وإعجاب الناس على هذه المواقع، من خلال اختبائهم خلف أقنعة المثالية، سواء كانت حقيقية أم مزيفة. لا شك أن المثالية ميزة إنسانية محبوبة لدى أغلب الناس، التي قد يتصف بها البعض.

ويكون ذلك واضحاً من خلال الفعل الذي يسبق القول على أرض الواقع، أو البعض الآخر الذي قد يدعي المثالية، لأن ليس بإمكانه فعل ولو حتى القليل عما يتحدث عنه، ومثاليته الزائفة تسقط أمام الفعل مع أول اختبار من المواجهة الحقيقة.

سؤال يتبادر إلى الذهن بمجرد مقارنة الناس بين حياتهم وحياة كل من يلهث وراء الظهور بالشكل المثالي على مواقع التواصل الاجتماعي، هل كل ما يتم ترويجه في هذه المواقع يعتبر كاملاً وحقيقياً، أم أننا في أغلب الأحيان لا نرى سوى جزء من الصورة؟.

لو رأينا علاقات عاطفية مميزة في العالم الافتراضي تغمرها أجواء الحب والتفاهم، فذلك لا يعني أن حياتهم يغمرها الحب في العالم الواقعي، فقد تعاني العلاقة من الشجار الدائم والخيانات الزوجية التي يتقطع منها نياط الكبد حسرةً وألماً.

وعندما تبهرك الصور التي تبرز التزام وحرص بعض الأشخاص للخروج مع الأصدقاء إلى المطاعم، قد تشعر في قرارة نفسك بحرقة وحزن على حالك. ولكنك لم ترَ الصورة كاملة، لقد رأيت الجانب المشرق، ولم ترَ الجانب الآخر المرير الذي عايشوه في نهاية ذلك اليوم، فقد تكون لديهم عائلة متشددة تحاسبهم في كل مرة ينوون فيها الخروج مع الأصدقاء، فتتحول غالباً هذه السعادة إلى حزن.

وبالتأكيد، هناك الكثير ممن يعشقون السفر، فحينما تُشاهد بعض الصور لأشخاص في هذه المواقع، وهي تظهر مدى استمتاعها في دول سياحية مميزة، قد تشعر بالغيرة، لأنك تتمنى لو كان بإمكانك السفر في رحلة مماثلة، ولكن لم تسمح لك ظروفك المادية. وهذه الصورة التي تمنيتها ليست كاملة، لأن من الممكن أن تكون هذه العائلة تعرضت لظروف مزرية خلال الرحلة، ولكنهم لم يعرضوها، بل عرضوا صورة واحدة جميلة كانت في بداية الرحلة.

وحين ترى شخصاً مهتماً جداً بلياقته البدنية، ويروج الصور التوعوية، قد يخطر ببالك السؤال «هل من الضروري أن يروج اهتمامه بلياقته البدنية؟، كلنا نهتم، ولكن ليس من الضروري أن نروج نشاطاتنا البدنية». من غير المنصف أن تُقارن لياقتك بالآخرين، فهذا الشخص قد يكون تجرع ألم البدانة، فبادر في مساعدة الآخرين ليتجنبوا مرارته.

حياة الإنسان موسوعة مَليئة بالتجارب والأحداث، وقد يكون البعض متمكناً من إظهار نفسه بشكل مثالي خالٍ من أي عيب، بالرغم من أن لديه عيوباً ونقاط ضعف كثيرة، ولكن من المستحيل أن تكون الحياة دائماً وردية، فتارّة قد تبدو ينابيع صافية، وتارّة أخرى تبدو كالدروب الوعرة، فهذه هي سُنّة الحياة.

 

 

Email