محب للحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في إطار عملنا الصحفي نقوم يوميا بتغطية العديد من الأحداث في مختلف الرياضات، بعضها روتيني (بمعنى متكرر) له آثاره وتبعاته مثل مختلف الدوريات، وبعضها يقام لمرة واحدة، ومع ذلك يترك فينا آثارا عميقة ويعلمنا الكثير من الدروس التي تجبرنا على التوقف عندها والتأمل فيها، من هذه الأحداث ماراثون زايد الدولي الخيري، الذي أقيمت دورته التاسعة مؤخرا في نيويورك وتابعه الكثيرون عبر مختلف وسائل الإعلام، فخلال تغطيتي لهذا الحدث على الطبيعة، ورغم أنها المرة الثالثة، كنت أجد نفسي أتأمل ما يدور حولي بعمق أبعد بكثير من مجرد السباق ونتائجه وأرقام وأزمنة المشاركين فيه، فالمشهد الذي تحولت إلى جزء منه وعشت بداخله كان يمدني بقراءات كثيرة أرى من واجبي ألا تتوقف عندي وحدي.

بداية، اعترف بأنه قد ساورني القلق والخوف، شأن كثيرين غيري في بعثة الإمارات، من تعرض السباق لأي هزة قد تؤثر على مستقبله، كونه يقام بعد أقل من شهر على ماراثون بوسطن، غير البعيدة، والذي راح ضحيته بعض الأبرياء، تلك المخاوف التي كانت قد دفعت البعض إلى طلب تأجيل السباق، لولا تصميم أعضاء اللجنة المنظمة المحلية بناء على اتصالاتها مع اللجنة المنظمة في نيويورك، وثقتها برصيدها لدى الأميركيين من واقع الدورات الثماني الماضية، وقد ضاعف من المخاوف تساقط المطر بدرجة مؤثرة وشبه خلو حديقة نيويورك المركزية من هواة الجري وممارسة الرياضة بنفس الأعداد الغفيرة التي تعودنا رؤيتها خلال السنوات الماضية.

ولكن كلما اقتربنا من زمن انطلاقة السباق كانت أعداد المتسابقين تتزايد، حتى إنه عندما أعطيت إشارة الانطلاقة ظل المشاركون يعبرون خط البداية بكثافة كبيرة استمرت ما يقرب من عشر دقائق، وعلمنا بعد ذلك أن عددهم فاق العشرين ألف متسابق، وتأكدنا أن ما بداخلنا كان وهما لا علاقة له بواقع الشعب الأميركي المحب للحياة، والذي ترسخ بداخله قناعات ومبادئ لا يمكن تغييرها بسهولة لأنها مدعمة بحقائق على الأرض وثقة بقدرة دولتهم على حمايتهم، والجميل أن هذه القناعات باتت راسخة في أذهان الجميع رغم اختلاف أصولهم وألوانهم ونزوح غالبيتهم من مجتمعات ودول قد لا يتوفر فيها أدنى درجات الأمان، وهو ما يؤكد على أن الإنسان لا بد من ان يكون ابن البيئة التي يعيش فيها وليس القادم منها والتي يجب ألا يحمل معه منها إلا الذكريات والجينات الجميلة فقط.

عندما تأملت وجوه المشاركين لم أجد فيها أي تشابه، وجوه أوروبية وأخرى آسيوية، وثالثة أفريقية ورابعة أميركية جنوبية، القاسم المشترك الوحيد بين معظمهم هو الجنسية الأميركية، لوجود بعض أبناء الجاليات الأخرى من الزوار والدارسين.

الجميل أن جميعهم باختلاف أجناسهم وأعمارهم يتحدثون في التعايش لغة واحدة، وهي لغة المجتمع والثقافة الأميركية المقبلة على الحياة والمتفائلة بالمستقبل والمؤمنة بالأمل.

لهذا لم تكن مشاركتهم في الماراثون بهدف الفوز، الذي سيسعدهم إن حدث، وإنما كانت في الغالب للاستمتاع بممارسة الرياضة ودعم صحتهم البدنية، والمساهمة في العمل الخيري، والاندماج والتعايش مع باقي شركاء المجتمع والوطن، والأجمل التعرف على هذا الرجل الذي يقام الماراثون باسمه، والذي جاء من بعيد لتقديم الخير لأبناء وطنهم، إنه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وعن ذلك ستكون لنا عودة أخرى.

Email