عقل وقلب مجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

وضعتنا قضية «شاحن الهاتف ورأس الجلاف» أمام حالة غير معتادة وغير مسبوقة في الساحة الرياضية عامة وكرة القدم خاصة، ولا أغالي إن قلت إن الواقعة سيكون لها تأثيرات كبيرة ومهمة في اللوائح في المستقبل، أو على الأقل هذا ما يجب أن يكون، بعد أن كشفت عن عيوب وثغرات في غاية الأهمية، إن لم يحسن المشرّع التعامل معها فإننا سنكون أمام هوة قد تتسبب في زراعة بذور الشك في نفوس الكثيرين إن حدثت حالات مشابهة مستقبلاً، لا يعلمها إلا الله، وحتى تكون الصورة واضحة، فنحن أمام اعتداء من جانب مدرج يفترض أن كل من به من جماهير صاحب الأرض، وعليه طبقت العقوبة القاسية الواردة في اللائحة، ولكن تبين في ما بعد أن الفاعل ليس من جمهور النادي، وعليه فالمؤكد أنه سيعاد النظر في العقوبة.

فماذا لو تكررت الواقعة بنفس التفاصيل ولكن في مباراة أخرى بين فريقين آخرين بقصد الإضرار بصاحب الأرض أو الاستفادة من اللائحة في تحقيق نصر غير مضمون في المباراة؟

بعيداً عما سبق طرحه، نحن أمام حالة شديدة التعقيد، اعتداء مرفوض من كل الأطراف، أحدثه ناشئ صغير نادم على فعلته، والمعتدى عليه متنازل عن حقه، متأثراً بعقل وحكمة القاضي وقلب وروح الأب، حرصاً على مستقبل المعتدي، والأمين على الحق العام ممثلاً في النائب العام أمر بحفظ التحقيق بعد تنازل المجني عليه إنقاذاً للجاني، ولكن هناك نادٍ متضرر من الواقعة ومستقبل فريقه متأثر من توابعها، فماذا نفعل حيالها؟ خاصة وأن النادي التابع له المجاني «الوحدة» سوف يجتمع اليوم من أجل النظر في ما يجب اتخاذه حيال هذا الصغير وما تسبب فيه بتصرفه الطائش.

أتصور أننا أمام حالة إنسانية من الدرجة الأولى، فعلى الرغم من اتفاقنا جميعاً على رفض الواقعة وإدانتها، وإجماعنا على أنها تصرف شخصي دخيل بعيد عن روح وتقاليد شعب الإمارات، إلا أننا أجبرنا إنسانياً على القبول بأقصى درجات الرأفة مع هذا الصغير، ليس فقط من أجل الحفاظ على مستقبله، ولكن أيضاً من أجل إبعاده عن أي مصير من الممكن أن يؤثر سلباً فيه ويدفعه إلى طريق الخطأ، وأطهر ما في المشهد أن يأتي العفو والسماح من المجني عليه، أكثر المتضررين حسياً وجسدياً من الواقعة، مع كامل التقدير للضرر النفسي والأدبي الواقع على النادي الأهلي.

أعتقد أن هذا الناشئ الذي لا أعرف اسمه ولا أريد معرفته، حتى لا يصاب كلانا بأي حرج لو التقينا مستقبلاً، قد نال درساً قاسياً طوال الأيام القليلة الماضية من كثرة ما قرأ من ردود أفعال وما تعرف إليه من تبعات لتصرفه غير المحسوب.

المفروض أن كل تسامح اتخذ بحقه سيظل يؤنبه لسنوات طويلة مقبلة، وأنه سيظل مديناً لأشخاص في مقدمتهم محمد الجلاف، لأنهم أنقذوا مستقبله من الضياع. من هذا المنطلق لا أرى مبرراً لأن يقابل كل هذا الخير بغيره.

 اتفق على أن عقابه واجب ومفروض، ولكن إلى حدود مراعاة لسنه، علينا أن نعلمه كيف نمد الأيادي للخير وحجم ما ارتكب من جرم لا يجب أن يتكرر منه أو يحدث من غيره، وأنا على يقين من أن الأهلي رغم كل ما أصابه لن يخالفنا الرأي، فإرشاد إنسان لطريق الخير ولو بالعفو أهم بكثير من دفعه إلى مصير مجهول ولو بالحق.

Email