«اللاقمات البكتيرية» البديل الواعد للقاحات

ت + ت - الحجم الطبيعي

اكتُشفت الفيروسات المسماة باللاقمات البكتيرية «Bacteriophage» أو ما تسمى بالفيروسات الملتهمة للبكتيريا عام 1917، وتعتبر أكثر الكائنات عدداً وأوسعها انتشاراً في الكرة الأرضية، إذ توجد اللاقمات البكتيرية في جميع البيئات والنباتات والحيوانات. ويقدر العلماء عدد اللاقمات البكتيرية التي تدخل جسم الإنسان الواحد يومياً بـ30 مليار لاقم بكتيري. 

ومع أن كلمة «الفيروسات» مرتبطة ذهنياً بأنها تدل على المرض وقد يكون مرضاً مؤدياً للموت، إلا أن «اللاقمات البكتيرية» عبارة عن فيروسات تصيب البكتيريا فقط وتقتلها، لكنها غير ضارة للإنسان، بل على العكس قد تحميه من خلال قتل البكتيريا الضارة؛ لذلك، ومع الازدياد المضطرد في أعداد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية عالمياً وصعوبة اكتشاف وتطوير مضادات حيوية جديدة قادرة على قتل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية الحالية، وما يشكل ذلك من تحدٍّ صعب للصحة العامة عالمياً، فإن العالم يعقد الآمال على «اللاقمات البكتيرية»، لقدرتها الفائقة على قتل البكتيريا عامة بما فيها المقاومة للمضادات الحيوية، لتنقذنا من الرجوع إلى عصر ما قبل المضادات الحيوية، حيث إن أي عدوى بكتيرية كانت كفيلة بإنهاء حياة المريض. 

تطبيقات «اللاقمات البكتيرية» لم تقف عند هذا الحد، بل تعدت إلى تطبيقات غاية في الأهمية، كتعريف البكتيريا، ونقل الجينات، وتوصيل الأدوية، وإنتاج البروتينات، واكتشاف وعزل الأجسام المضادة، وتصميم اللقاحات الفعالة والآمنة للفيروسات الوبائية.
وإضافة إلى تطبيقات «اللاقمات البكتيرية» كمضادات حيوية في دول عديدة حول العالم، تبرز جهود مبتكرة لتطويرها كتطعيم أو لقاح أكثر أمناً وفاعلية لأي فيروس وبائي، فالأوبئة الفيروسية خطيرة جداً وبإمكانها أن تودي بحياة الكثير من البشر لسرعة انتشارها ولعدم وجود دواء ناجع لها؛ ولذلك فإن تطوير لقاحات فعالة وآمنة أمر مهم جداً ولا بد منه حفاظاً على المجتمعات. في عام 2019، اعتبرت منظمة الصحة العالمية تردد الأشخاص من تلقي التطعيم واحداً من أكبر 10 تهديدات للصحة العالمية. إلا أن هذا التردد يرجع في أساسه إلى ما يُتداول من معلومات أو شائعات عن مدى سلامة أو مأمونية اللقاحات المتوفرة، التي قد لا تستند في أغلبها إلى أي أساس علمي؛ ولذلك فإن تطوير لقاح فعال وآمن ضرورة حتمية ومحرك أساسي للعلماء العاملين في هذا المجال.

ولكن هل يمكن أن تصبح «اللاقمات البكتيرية»، وهي فيروسات وإن كانت لا تصيب الإنسان بالضرر، لقاحاً آمناً يكفي الإنسان شر الفيروسات الوبائية؟ 

لقد بدأ الأمر عندما اكتشف العلماء إمكانية عرض أي بروتين على قفيصة «رأس» اللاقم البكتيري. كما نعلم، الفيروسات بشكل عام تتعرف إلى عائلتها من خلال المستقبلات الموجودة عليها، التي غالباً ما تكون مميزة لجنسها، وهذه المستقبلات بروتينات وتستحث الرد المناعي في الجسم. إذن، لو عرضنا هذه المستقبلات على اللاقمات البكتيرية فإنها سوف تحفز الرد المناعي المطلوب في الجسم لإنتاج الأجسام المضادة للفيروسات الوبائية دون الحاجة للتعرض لأي من تلك الفيروسات الوبائية بتاتاً. وهذا ما فعله عدد من العلماء خلال الجائحة الأخيرة، حيث تمكنت الفئران المطعمة باللقاح الجديد «لاقم بكتيري يحمل على قفيصته مستقبلات الكورونا» من مقاومة كورونا ولم تظهر عليها أعراض المرض. ولم يتوقف الأمر على إنتاج لقاحات للفيروسات الوبائية وبعض البكتيريا شديدة العدوى فحسب، بل الأبحاث جارية لإنتاج لقاحات للسرطان باستخدام «اللاقمات البكتيرية»، والنتائج مشجعة، وإن كانت في بداياتها.

وإضافة إلى كونها آمنة جداً، تتميز «اللاقمات البكتيرية» بقدرتها الفائقة على الوصول إلى أي مكان في الجسم بما فيه الدماغ، ناهيكم عن التكلفة المنخفضة للإنتاج. والسؤال: هل ستطغى اللقاحات المبنية على «اللاقمات البكتيرية»، التي لا تتطلب مختبرات معقدة كمختبرات الفيروسات المعدية، على جميع أنواع اللقاحات الأخرى المسيطرة على الساحة؟

Email