جولة إطفاء الحرائق

ت + ت - الحجم الطبيعي

جولة خامسة في مسار طويل، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جاء إلى المنطقة في توقيت مرتبك أمنياً وسياسياً، سباق نفوذ، وفرض إرادات، واختلاط أوراق، وتدخلات إقليمية ودولية حادة على أراضي الإقليم.

بات المستقبل مرهوناً بنتائج الصراعات القائمة والمحتملة.

الجولة جاءت بتوقيت تداعيات غير مسبوقة، من شأنها التأثير على مجريات التجارة العالمية. صدام دولي يستهدف جنوب البحر الأحمر، وخليج عدن، وباب المندب، وبحر العرب، والمحيط الهندي، ينتقل صدى هذا التأثير إلى شرق المتوسط في لبنان وسوريا والعراق.

 

مهمة بلينكن في هذه الجولة الخامسة للمنطقة، لم تنحصر فقط في الحرب على قطاع غزة، ولم تستهدف فقط التأكيد على دعم حليفتهم إسرائيل، لكنّ ثمة نذراً تتداعي في الأفق من خطر قادم بعد الضربات الأمريكية على سوريا والعراق واليمن.. الصراع بات على الطاولة.

 

التوقيت ليس هو الأفضل بالنسبة للإدارة الأمريكية التي باتت تفتح أكثر من جبهة في وقت واحد، فضغوط الداخل الأمريكي تزداد تعقيداً، في ظل عام فاصل عنوانه «العالم ينتخب» وضغوط الخارج المتمثلة في فواتير الحرب الروسية - الأوكرانية، وانعكاساتها على الاقتصاد الأمريكي والأوروبي.

فضلاً عن اتساع مساحات التوتر في منطقة الإندوباسفيك، التي تشمل بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، وخليج ملقا.

حصار التأزيم على خرائط العالم يفرض على البيت الأبيض ووزير خارجيته قاموساً جديداً ومسارات مختلفة، رؤى تقوم على إطفاء الحرائق، وإعطاء مزيد من المسكنات السياسية قبل أن تتفاقم أعراض الجبهات المشتعلة في مقدمتها حرب غزة.

 

وزير الخارجية الأمريكي يقرأ ذلك جيداً، ويتحرك وفق وصفات تقليدية، تهدف في المقام الأول لخدمة مصالح واشنطن.

 

حقيبة بلينكن في جولته الخامسة إلى المنطقة والسادسة إلى إسرائيل، حملت خطاباً مغايراً عن الجولات السابقة إلى حد ما، فقد تضمنت أوراقه:

محاولة إنجاز صفقة الأسرى، رغم ما يعوق هذه الصفقة من عراقيل، فضلاً عن حرصه الشديد على عدم تمدد الحرب بين إسرائيل ولبنان، من خلال السعي إلى عقد اتفاق بين بيروت وتل أبيب، لإنشاء منطقة عازلة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، مقابل ترسيم الحدود البرية، على غرار ما تم من قبل بينهما بشأن ترسيم الحدود البحرية، وأيضاً حملت أوراق بلينكن رسالة مفادها، عدم اتساع رقعة الحرب في سوريا والعراق واليمن بعد الضربات الأخيرة التي تعرضت لها البلدان الثلاثة.

 

أما فيما يتعلق بالحرب على غزة، فقد جاءت رسائل جولة بلينكن تحمل أكثر من معنى، ففي الوقت الذي ترفض فيه واشنطن وقف إطلاق النار على غزة، يؤكد وزير خارجيتها ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة.

 

فضلاً عن تسويقه للقرار الأمريكي بمعاقبة أربعة من قادة المستوطنات في الضفة الغربية، للتأكيد أمام الرأي العام العالمي بأن الإدارة الأمريكية تقف على مسافة واحدة من طرفي الصراع وإن كان ذلك غير واقعي.

حزمة أوراق وزير الخارجية الأمريكي لم تغفل الحديث عن مستقبل إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، سيما أنه يلوّح من بعيد بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية بالأمم المتحدة، كرؤية لإنهاء الصراع في المنطقة بشكل كامل يضمن تحقيق دمج إسرائيل في المنطقة العربية.

 

جاء بلينكن وذهب، أفضى بما لديه، واشنطن لا تزال حائرة، تل أبيب لم تعد الابن المطيع، كما اعتادت الإدارة الأمريكية، والحرب على غزة لا تزال مشتعلة، الخسائر تزيد من تعقيدات التفاوض.

 

لكن الشاهد هنا أن جولة بلينكن تمثل إدارة للأزمة، وليست حلاً لها، أطراف الصراع أدركوا معنى وأهداف هذه الجولة.

ربما يفاجئنا وزير الخارجية الأمريكي خلال الأيام المقبلة بالجولة السادسة، لكن لا بد أن تحمل حقيبته في المرة المقبلة عناوين واضحة، لمسارات جديدة، تبدأ وتنتهي بالدعوة لوقف إطلاق النار، ورسم مسار سياسي يفضى إلى قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، فليس خافياً على صناع السياسات في المنطقة والعالم أن الحرب على غزة درس، عنوانه «لا سلام ولا استقرار من دون قيام دولة فلسطينية مستقلة».

رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email