الإمارات والنهوض التنموي في أفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفريقيا، قارة محل اهتمام للعديد من الدول، بدءاً من الصين، التي عاشت فترة عزلة عن الخارج باختيارها إلى ما بعد التسعينيات.

حيث بدأت تنويع علاقاتها الخارجية، شملت كل العالم. وكذلك كانت أفريقيا محل اهتمام السياسة الأمريكية منذ عهد الرئيس باراك أوباما، إما تقديراً لمكانة أفريقيا القادم كسوق عالمية، ومصدر أساسي للمواد الأولية، أو رغبة من الإدارة الأمريكية «التخفف» من ضغوطات منطقة الشرق الأوسط المكلفة بعدم استقرارها المستمر، وعدم القدرة على إغلاق ملفات الصراع.

وصل أمر الاهتمام بالقارة السوداء إلى روسيا ودول القارة الأوروبية الأخرى، ما عدا فرنسا، التي كانت صاحبة النفوذ التقليدي فيها، وها هي الآن تعيش تخبطاً استراتيجياً في القارة، بسبب إرثها التاريخي، وعدم تجديد طريقة تعاملها مع أبناء القارة بما يتناسب والتغيرات الجديدة.

والقارة الأفريقية أصبحت مغرية أيضاً للدول الإقليمية ذات الطموح الاقتصادي أو السياسي، مثل: تركيا وإيران، ومعهم إسرائيل التي توجد فيها بنشاط مزعج للعديد من الدول العربية، التي تعتبر القارة جزءاً من عمقها الاستراتيجي، بل وصل الأمر أن بعض الدول الإقليمية الفاعلة في أفريقيا نفسها، تستفيد من المساحات أو الفراغات السياسية والاقتصادية الموجودة فيها، مثل إثيوبيا.

ما يعني في حقيقة الأمر أن هناك حالة من التنافس الدولي، وفق إدراك كل قائد لدور دولته في السياسة الخارجية. وفي ظل كل هذا النشاط الدبلوماسي، نجد العرب مستثنين أنفسهم من كل ما يحدث في تلك القارة الواعدة.

وهذا الاستثناء ليس بطلب من أحد في العالم، بقدر ما هو قرارهم الاختياري الاعتيادي، لأن الواقع السياسي والتاريخي لأفريقيا، يفترض أن تكون الدول العربية هي صاحبة اليد الطولى في هذه القارة للنهوض بها، خاصة أن هناك دراسات ونظريات عربية أكدت أن هذه القارة هي المجال الحيوي لبعض الدول العربية ذات الثقل الاستراتيجي، بحكم التداخل البشري التاريخي، وبحكم النضال السياسي المشترك.

دولة الإمارات من أنشط الدول العربية والخليجية في الاهتمام بالنهوض بدول هذه القارة تنموياً، بل ترتيبها الأول عربياً في الاستثمار في أفريقيا، فهي تحتل المركز الرابع من بين أكبر المستثمرين بعد الصين والولايات المتحدة وأوروبا، وتبدي اهتماماً تنموياً لهذه القارة، بتقدير يصل إلى 35 مليار دولار.

آخر تلك الاهتمامات كان في ديسمبر الماضي، من خلال توقيعها اتفاقيتين اقتصاديتين مع كل من: جمهورية الكونغو برازافيل، واتفاقية أخرى مع موريشيوس في شرقي القارة. ويتميز الوجود الإماراتي في القارة الأفريقية عن غيره بصفتين تؤشران إلى ما تهدف إليه سياستها الخارجية هناك، وهما، السمة الأولى:

بأن طبيعة شراكاتها طويلة المدى، وتتبنى استراتيجية لأن يكون الطرفان الإماراتي والأفريقي يحققان مصالح متبادلة، وفق المنطق المعروف (الكل رابح). أما السمة الثانية: أن استثمارات الإمارات تركز على الجوانب التنموية للنهوض بدول القارة، من خلال التركيز على المجالات التي تحقق مردوداً، ليس للحكومات الأفريقية فقط.

وإنما لشعوب هذه المنطقة أيضاً، من خلال تطوير المشروعات في هذه البلدان، وبما يوفر فرص عمل لأبناء تلك القارة، التي عانت «النسيان» لفترة طويلة.

علينا أن نفترض من النشاط الدبلوماسي الإماراتي في أفريقيا، أنه يمثل عاملاً مُحفزاً ومشجعاً لباقي الدول العربية، للسعي بالوجود في القارة، ليس فقط من أجل أن تكون ضمن الباحثين عن فرص واعدة في تلك القارة، وإنما لسبب آخر لا يقل أهمية عن الاستثمار، وهو ألا تكون السياسات العربية في كل مرة عبارة عن ردة فعل، نتيجة لوجود منافسين لهم في مناطق يُفترض هم أولى من غيرهم فيها.

Email