«حاضنة عالمية» للقضية الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلنا الشهر الثالث لحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث بدأت في السابع من أكتوبر الماضي. كل واحد خرج باستنتاج خاص به من هذه الحرب حول النتائج، التي ستخرج منها. قد تحتاج تلك الاستنتاجات والتداعيات بعض الوقت لكي تتشكل وتتبلور بوضوح، لكن بعضها بدأت مؤشراتها تتضح.

استنتاجي مبني على الوحشية، التي تنفذ فيها الحكومة الإسرائيلية جريمتها الإنسانية على أهل غزة تحت مبرر القضاء على حركة حماس وقادتها، وأدت إلى تسجيل أرقام قياسية في عدد ضحايا هذه الحرب بطريقة تحتاج إلى عقود كي ينسى العالم تلك الأرقام، أغلب الضحايا كانوا من الأطفال والشيوخ والنساء، فكانت النتيجة أن: «القضية الفلسطينية صنعت لها حاضنة عالمية إنسانية».

صمت العالم السياسي على جرائم إسرائيل، وفَشَلْ الولايات المتحدة في إيقاف الآلة العسكرية الإسرائيلية عن الاستمرار في ارتكاب المجازر، والانحياز الكامل، الذي أظهرته بعض الدول، والحكومات الغربية لأفعال الجيش الإسرائيلي ضد الإنسان الفلسطيني خلق وعياً عالمياً حول: «حقيقة السردية الإسرائيلية، التي تكررها في مقابل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والعيش بسلام في أرضه».

أما عن محفز صناع هذا الوعي فليس من بينهم أيّ من متاجري القضية الفلسطينية من الأيديولوجيين أو السياسيين، فهم في الأرجح السبب في الكارثة التي يعيشها هذا الشعب على مدى أكثر من سبعة عقود، وإنما هم من الجيل الجديد من الشعب الفلسطيني، الذي ينطلق من متغيرين اثنين لهما علاقة بالواقعية المرة في السياسة الدولية، ولكنها هي الحقيقة، التي ينبغي على الجميع التعامل معها.

المتغير الأول: قناعة هذا الجيل بأن هناك ترتيباً في الأولويات الوطنية لكافة دول العالم، وبالتالي فمكانة القضية الفلسطينية تقترب وتبتعد من الاهتمام حسب الأجندات الوطنية لاستراتيجية كل دولة (هذا الكلام سمعته من طالب في جامعة بيرزيت الفلسطينية)، فمرة تكون في المقدمة، ومرة على أسفل قائمة الأولويات، وهذا هو الحاصل فعلاً.

المتغير الثاني: الأمل الفلسطيني وحلمه التاريخي بأن يعود إلى أرضه، وفلسفة هذا الأمل الفلسطيني مبني على الاستمرار في المطالبة بحقه التاريخي، وفق المقولة التاريخية: «لا يضيع حق وراءه مطالب» لن تجد أحداً في العالم مثل الفلسطيني لديه قناعة بأنه سيعود إلى أرضه مهما طال الزمن، لذلك فهو يعمل على تغيير المعوقات، التي تعترض طريقه، ومن تلك المعوقات، المتاجرون والمستفيدون من قضيته العادلة.

بما أن منطلقات الفلسطينيين في استرجاع حقهم تغيرت بدلاً مع السياسة الدولية إلى الشعوب، فبالتأكيد تغيرت أدوات التأثير السياسي والإعلامي لقضيتهم، فانتقلوا بالقضية من الإقليمية، لتكون تحت حاضنة الإنسانية العالمية باستخدام أساليب يفهمها الجميع، منها الفن بكافة أنواعه، فهي اللغة المشتركة للجميع، فالقضية إنسانية قبل أن تكون قضية سياسية.

التحول الجديد للقضية الفلسطينية أن هناك مراجعة نقدية من قبل الشعب الفلسطيني نفسه، هذه المراجعة لا تقتصر على قادته السياسيين، وإنما في الموقف الدولي والإقليمي خلاصتها أن الشعب الفلسطيني وصل إلى قناعة بأنه لم يعد يراهن أو بالأصل يثق في أحد على المطالبة بحقوقه التاريخية بقدر ما صار يدعو إلى الاعتماد على نفسه في إقناع الرأي العام العالمي، بما فيهم الرأي العام اليهودي بأنه يريد أن يعيش كباقي شعوب العالم في وطنه وأرضه.

تتلخص معاناة القضية الفلسطينية المستمرة في: المتاجرة السياسية فيها، فالكل وظفها لخدمة أجنداته السياسية الداخلية والخارجية، مستفيدين من أنها قضية كاملة الأركان في توظيفها سياسياً فهي: قضية ببعد ديني، وهي قضية سياسية واقتصادية يمكن التربح فيها، وهي قضية إنسانية أيضاً تؤلم الضمير الإنساني، وتجعله يتناسى كل الاختلافات، ويتضامن معها ومع شعبها، الذي يدفع ثمن المغامرات السياسية.

 

Email