«مراجعات» غربية في الأزمة الأوكرانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان متوقعاً ألا يستمر الدعم الغربي لأوكرانيا بنفس الوتيرة التي بدأت فيها الحرب الروسية في فبراير 2022، أو أن تلك الحماسة الأوروبية المتحفزة، ستتراجع بشكل كبير مع مرور الوقت.

والسبب في ذلك الاعتقاد بسيط، أن كل التجارب التاريخية التي مرت على العالم، أكدت صحة هذه الاستنتاج، وكلما طالت الأزمة، يقلّ الدعم والاهتمام، فالظروف المؤثرة في السياسة الدولية تتغير، وتفرض معطيات جديدة على مواقف الدول الداعمة.

وكان الهدف الغربي عموماً من هذا الدعم، هو الرهان على أوكرانيا في استنزاف «روسيا بوتين»، من قواه العسكرية والاقتصادية، وحتى الدبلوماسية، وربما حصل ذلك نسبياً، لأن روسيا ما زالت دولة مؤثرة في العديد من مناطق العالم.

كما يبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين مع مرور الوقت، ممسك بزمام الأمور في بلاده، وفي الإقليم المجاور لروسيا، وأنه يقوي من موقفه السياسي في الداخل والخارج، ويعمل على المزيد من الخسائر ضد الغرب، بطريقة تجعل الداخل الأوروبي هو الضاغط على قادته.

فالحديث المتصاعد خلال هذه الفترة في العديد من دول الغرب، هو: ترشيد المساعدات الغربية، وعلى رأسها المساعدات الأمريكية نفسها، الدولة الأكثر حماساً في هذا الجانب.

والتي بلغت 60 ملياراً حتى الآن، بل بات مطلباً ضرورياً ومصيرياً، وغير أن الملف الأوكراني دخل رسمياً على خط المنافسة بين الحزبين الأمريكيين، الديموقراطي والجمهوري، في انتخابات الرئاسة المقبلة، فإن سلوفاكيا، وكذلك بولندا، الدولة المجاورة لأوكرانيا، أعلنتا صراحة عدم قدرتهما في الالتزام اللامحدود بالمساعدات.

هذه التراجعات أو المراجعات الغربية، تذكرنا بتصريحات وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، في رده على مطالب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، الملحة للمساعدات الغربية، بالقول إن بلاده ليست متجر أمازون لإمدادات الأسلحة، حيث ساهمت لندن بـ 11 مليار دولار، وتذكرنا بتصريحات للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يطالب فيها الأوربيين الذين قدموا 35 مليار دولار لأوكرانيا، بالاهتمام بأمنهم واستقرارهم.

إذا تتبع باحث مواقف الدول الداعمة لاستمرار الحرب الأوكرانية-الروسية من الغرب، سيتفاجأ بتذبذب تلك المواقف وتأرجحها، وعدم استمراريتها بنفس المسار. ربما لأن الذي كان يجمع بينها هو الموقف الأمريكي، أو بالأصح الديمقراطيين، الذين لهم أهدافهم الخاصة من استمرار الحرب المتعلقة بالمنافسة على النفوذ العالمي.

ولكن مع التطورات السياسية الحاصلة في الداخل الأمريكي نفسه، سواءً الأزمة الاقتصادية أو الأوضاع السياسية، لانشقاقات السياسيين فيها حول العديد من الملفات، ومنها ملف دعم أوكرانيا، يبدو أن الإجماع الغربي قد يتعرض للانفراط.

مآلات هذا الصراع وغيره من الصراعات الحادثة في العالم، هو: أن تأتي «لحظة مراجعة» لغضب سياسي، تسبب في تصعيد المواقف، نتيجة لغياب صوت العقل والمنطق.

وعدم الرغبة في اتخاذ الأساليب الدبلوماسية والحوار والتفاوض، وهو ما نادت به دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما ترأست مجلس الأمن الدولي دورتها الأولى في مارس 2022، الذي صادف وقت نشوب هذه الأزمة، ويومها نجحت الدبلوماسية الإماراتية في عدم انقسام الموقف الدولي في هذه الأزمة.

المسألة غير المطروحة في حالة التراجع الغربي لدعم أوكرانيا، والذي لا يريد أحد أن يعترف به علناً، لأنه يوضح سوء تقدير بعض المواقف الاستراتيجية لتلك الدول التي سارت على خط التصعيد العسكري، يمكن تجزئتها (المسألة) في نقطتين، هما، النقطة الأولى:

لدى كل الأطراف الغربيين، بمن فيهم الأمريكيون حالياً، رغبة في وضع حد لهذه الأزمة، التي استنزفت حكوماتهم، كما استنزفت روسيا، وربما العالم، نتيجة لتأثيرها الكبير، وتسببت بالكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية.

النقطة الثانية: تركيز سياسيي العالم على هذه الأزمة، تسبب في تجاهل أو تفاقم قضايا تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، كما هو الوضع في أفريقيا، وكذلك ما يحدث حالياً بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي سيكون له تداعيات كبيرة على المنطقة.

Email