عودة الحديث عن إصلاح «الأمم المتحدة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

من دون شك، يعدّ مطلب قادة الدول وممثلي الحكومات في العالم المجتمعين في مقر الأمم المتحدة في دورتها السنوية الـ78 بإصلاح عمل المنظمة الدولية التي جاءت على خلفية سلبيات عصبة الأمم التي تسببت في نشوب الحرب العالمية الثانية، من أهم المطالب السنوية التي باتت «عرفاً» في اجتماعات الجمعية العمومية، وهي من المطالب المتكررة، أيضاً، مع نشوب أي أزمة بين الدول الكبرى، وهذه المرة استمر المطلب نفسه مصحوباً بالتداعيات المتعلقة بالحرب الروسية-الأوكرانية التي تقلق المجتمع الدولي.

ويتركز مطلب إصلاح الأمم المتحدة في توسعة «مجلس الأمن الدولي»، الجهاز الإداري الأكثر صلاحية في القرارات الصادرة عن هذه المنظمة، ليضم أعضاءً جدداً بدلاً من أن تكون العضوية الدائمة مقتصرة على الخمس الكبار فقط؛ الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، على أن يستتبع ذلك الإصلاح تعديل «حق النقض» أو ما يعرف بـ«حق الفيتو» الذي تتمتع به الدول الخمس.

ويأتي هذا المطلب ليس فقط من باب تحقيق العدالة الدولية بعد تغير مواقع الدول من حيث التأثير في القضايا الأساسية في العالم، ولكن أيضاً من باب تداعيات حالة التنافس بين هؤلاء الكبار في تقديم مصالحهم الوطنية وإعطائها أولوية من دون النظر إلى مصالح بقية دول العالم. وفي الحقيقة لا يبدو أن هناك تحركاً جاداً لإجراء الإصلاحات المطلوبة رغم أهميتها في أن تعكس حالة التغير الكبير الحاصل في العالم.

الأمر المقلق في موضوع عدم إصلاح المنظمة في حال أصرت الدول الكبرى على التمسك بموقفها أن يؤدي ذلك إلى تقاعس الدول التي تعتقد أن لديها القدرة في أن تكون عضواً في مجلس الأمن، خاصة بعدما أثبتت أرقام القفزات التنموية والتطور الصناعي في بلدانها، وأن لديها ما تضيفه إلى شعوب العالم. ويمكن أن تتمثل أبسط صور التقاعس في عدم التفاعل مع المهددات الجديدة في استقرار العالم، مثل قضايا المناخ والبيئة، وهي من القضايا التي بات التفاعل معها ضرورة وليس ترفاً، كما أن استمرار وضع العمل في المنظمة الدولية على ما هو من شأنه ترسيخ فكرة تقسيم دول العالم إلى معسكرين أو أكثر.

أما عن دواعي استمرار الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة فذلك لوجود عاملين اثنين؛ هما: العامل الأول: أن هناك دولاً صاعدة اقتصادياً، وهو بلا شك عامل محفز في الصعود السياسي؛ وبالتالي لن تقبل تلك الدول بدور هامشي في مقابل استمرار دول أخرى تراجعت مكانتها في النظام الدولي من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.

أما العامل الثاني فيدعو إلى استمرار هذا المطلب المهم، وهو: إساءة بعض الدول الكبرى لـ«حق الفيتو»، وتطويع القرار الدولي لخدمة مصالحها ومشاريعها الدولية من دون النظر إلى مصالح الدول الأخرى في العالم، حتى لو تعارضت مع الأمن والسلم الدوليين، وهذا ما يجعل تلك الدول الإقليمية تدخل في شراكات إقليمية للحفاظ على مصالحها والتأثير في القرارات الدولية.

أجد أن استمرار الحديث عن إصلاح منظمة الأمم المتحدة مسألة مهمة، بل عودتها كل سنة هي تأكيد موضوعي من أعضاء هذه المنظمة على رغبتهم ببقاء هذه المنظمة الدولية ونقدها باستمرار من أجل تطوير طريقة عملها وليس إلغاءها.

بالمقارنة بين عصبة الأمم التي تسببت في الحرب العالمية الثانية 1945 مع منظمة الأمم المتحدة يبقى استمرار عمل الأمم المتحدة رغم علّاته هو الخيار الأفضل بدل غيابه على الأقل لعدم وجود إطار أو «منصة» سياسية تضم الجميع، وتساعد على إيجاد أجواء تحقق نقطة تواصل بين المختلفين سياسياً.

Email