بداية مرحلة جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه الجديد الذي حمل عنوان (من الصحراء إلى الفضاء): «في الخمسين الماضية بدأنا من صحراء الإمارات، ووصلنا إلى صحراء المريخ، وفي الخمسين المقبلة، أحلامنا ستكون أكبر»، لخصت استراتيجيتين للطفرة التنموية التي تعيشها دولة الإمارات التي بدأت مع تأسيس دولة الاتحاد وما زالت.

الاستراتيجية الأولى: تُبين منهج التخطيط لدى قادة الإمارات للقصة التنموية التي أبهرت العالم (ومستمرة في الإبهار) بإنجازاتها القائمة على عدم وضع حد أو سقف للطموحات الإماراتية، والقائمة على «الحلم» الذي سريعاً ما يتحول إلى واقع من خلال العمل الجاد والتفكير المنطقي.

أما الاستراتيجية الثانية: تنقل الفكرة التي تنطلق منها دولة الإمارات، والتي تتعدى جغرافيتها المكانية لتصل إلى تحفيز الإنسان بشكل عام، والإنسان العربي بشكل خاص؛ لأنه يمثل جزءاً من النسيج الثقافي والتاريخي الإماراتي، وبالتالي تشجيعه على إفساح المجال لعقله على التفكير أبعد زمنياً من الوقت الذي يعيش فيه أو ما يعرف في علم الاستراتيجيات بالتفكير «بعيد المدى» فمن خمسين عاماً مضت إلى خمسين عاماً قادمة. فهذه النوعية من الخطط هي التي لديها القدرة على الحديث عن نهوض المجتمعات وبناء حضارات تنقل الإنسان من حالة إلى أخرى.

وبالقياس بين تلك العبارة «الخالدة» لسموه وبين الواقع التنموي لدولة الإمارات، نستنتج أن دولة الإمارات استطاعت في وقت قياسي من عمر بناء الدول وبناء الأمم أن تتقدم بخطوات حثيثة في المجالات التعليمية التي تعتبر الأساس لبناء الإنسان فكرياً والاستثمار فيه، كما تقدمت الإمارات أيضاً بالتوازي مع المجالات التنموية والاجتماعية بكافة أشكالها إلى أن وصلت إلى مرحلة «التمكين» لمواطنيها، ثم انتقلت للاشتغال في استشراف المستقبل. واليوم تبدأ في المشاركة والإسهام في صناعة ذلك المستقبل؛ لأنها تؤمن بأن من ينكفئ أو يتردد في خوض هذا التحدي لن يكون باستطاعته تحقيق طموحاته التنموية وربما الاستمرار فيها.

عودة سلطان النيادي من مهمته العلمية التي سيسجلها التاريخ باعتباره أول رائد فضاء من العالمين العربي والإسلامي يبقى مدة ستة أشهر في المحطة الدولية للفضاء إنما هي: الإعلان عن بداية مرحلة جديدة من الطموحات الإماراتية وبالتبعية طموحات الشباب العربي الذين هنأهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على نجاح المهمة التي ألقيت على عاتق سلطان النيادي. فالطموحات الإماراتية لا تعترف بوجود ما يعرقلها، وهي إن بدأت «كحلم» لكنها سريعاً ما تحولت إلى حقيقة واقعية يعيشها الإنسان أينما كان، سواء يعيش على أرض الإمارات أو خارجها، لهذا علينا ألا نستغرب ذلك التفاعل الإعلامي العربي الكبير مع عودة سلطان النيادي من رحلته التي عمل فيها على التواصل من الفضاء مع العديد من المواطنين العرب وغيرهم.

إن دور الإمارات العلمي والحضاري العالمي يتصاعد بالتوازي مع مواقفها الإنسانية والأخلاقية، بدءاً من استضافتها لمختلف الجنسيات الموجودة في العالم، ثم بمبادراتها لخدمة البشر، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو من خلال مواقفها الأخلاقية للبحث عن حلول للأزمات والتحديات كما هو الحال في استضافتها لقمة COP28 خلال نوفمبر المقبل، وكذلك من محاولاتها للمشاركة ضمن التجمعات الإقليمية والدولية، وذلك لتقديم الدعم والمساندة لتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين في كل المجالات، سواء الأمن العسكري ووقف الصراعات والحروب، أو أمن الطاقة المتمثل في استقرار السوق النفطي.

على كل، تمثل التجربة الإماراتية التنموية أهمية خاصة في عالمنا العربي نظراً لوجود العديد من القواسم الثقافية والمجتمعية المشتركة، لكن مع الاعتراف بأن هذه التجربة لم تكن صدفة، بل نتيجة جهد وتخطيط وعمل ممتد طوال الخمسين عاماً الماضية.. وما ميزها هو طابع الخصوصية والتفرد ومضاهاتها لتجارب الدول المتقدمة في المجالات والاتجاهات لمقومات الدولة الحديثة التي تنافس الجميع، دون قلق أو تردد.

Email