مراجعة بريطانية لـ«بريكست»

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشف أحدث استطلاع للرأي في بريطانيا، أخيراً، أن نحو 51 % من البريطانيين سيصوتون لصالح العودة إلى الاتحاد الأوروبي، إذا ما تم فتح باب التصويت حول هذه القضية، وبيّن الاستطلاع الذي تداولته وسائل الإعلام أن 32 % فقط سيتمسكون بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ«بريكست».

فمنذ خروجهم بشكل رسمي من الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2020 والبريطانيون يعتقدون أن الـ«بريكست» هو السبب الرئيس في حالة الأزمات التي تمر بها بلادهم. ولفهم أوضح لهذا الاعتقاد يمكن تسجيل ملاحظة من نقطتين في هذا الموضوع؛ النقطة الأولى أن قرار التصويت على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بني على وعود سياسية تتعلق بعودة الدور العالمي لبريطانيا، وعلى وعود اقتصادية تلامس حياة المواطن البريطاني فيما يخص الصحة وإيجاد الوظائف، وكذلك وعود بإيقاف الهجرة غير الشرعية، خاصة وأن التصويت على القرار تم في وقت والعالم يشهد موجة من هجرات شرق أوسطية باتجاه أوروبا، فتم توظيف القضية إعلامياً كي تخرج نتيجة الاستفتاء حسب رغبة داعمي قرار الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي.

لكن بعد مرور سبع سنوات، لم يجد المواطن البريطاني ذلك التغير الإيجابي «الموعود»، بل على العكس، فخلال هذه المدة تغيرت أربع حكومات بريطانية، كما أن الأزمات الاقتصادية البريطانية لم تجد حلاً ولو نسبياً، بل إن الدور البريطاني الدولي تراجع.

النقطة الثانية أنه خلال هذا العام فقط كان هذا ثالث استطلاع حول هذه القضية، وهناك العديد من الاستطلاعات في الأعوام السابقة. الاستطلاع الأخير قامت به مؤسسة «يو جوف»، أما الذي قبله فقد أجرته مؤسسة «أبسوس»، أما الاستطلاع الثالث فقد قامت به مؤسسة «فوكال داتا آند أنهيرد»، وكان هو الأوسع من حيث العينة المستطلعة والمقدرة بـ10000 شخص، ولكن في الحالات الثلاث، وحتى التي سبقتها في الأعوام الماضية منذ الخروج البريطاني في عام 2016، فإن النتيجة تكون أن الأغلبية يرون في قرار الانسحاب الذي حدث أيام حكومة المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون أنه كان خطأ.

لو أردنا فهم القضية بشكل أكبر وأوسع من مسألة التركيز على صحة القرار من عدم صحته، سنجد أن الشعبوية (تحريك مشاعر الشعوب تجاه قضايا معينة) كانت هي المحرك الأساسي للسياسيين البريطانيين في قرار التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحملت معها أفكاراً «حالمة» أكثر مما هي واقعية، وربما هذه ناتجة عن التركيز على خلفيات تاريخية للدولة البريطانية، مع أن هناك الكثير من المتغيرات حصلت على أرض الواقع تُصعب من مسألة تطبيقها.

وإذا انتبهنا إلى ما خسرته بريطانيا من «بريكست» أنها دائماً كان يشار لها بالدولة الحكيمة في السياسة العالمية، وأنها صاحبة جاذبية بوصفها دولة مرجعية في قضايا الشرق الأوسط، هذا كله بدأ يتراجع، بل وصل الأمر لأن تكون الدولة الأكثر تغييراً في حكوماتها، وهذا دليل على عدم الاستقرار السياسي، حيث تشكلت أربع حكومات في أقل من سبع سنوات.

قد يرى البعض أن نتائج هذه الاستطلاعات التي تقيم الوضع فيها نوع من الاستعجال، وأن الأمر بحاجة إلى وقت أطول للمراجعة، لكن قراءة المشهد الدولي تؤكد أن العالم يتجه نحو التكتلات الإقليمية أكثر، وأن العمل الدولي يتجه نحو التعاون بين الأقاليم، ما يعني أن بريطانيا قد تجد نفسها وحيدة، ليس في أوروبا فقط، وحتى في العالم في مواجهة التكتلات السياسية والاقتصادية القادمة.

قد تكون أفضل طريقة لتعامل البريطانيين مع قرار «بريكست» حالياً (على المدى المتوسط) هي عدم تشتيت التفكير بين صحة القرار من عدمه، بل المهم هو العمل وفق سيناريو أن بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي من غير عودة، وذلك لتركيز الجهد نحو تقليل حجم الخسائر.

Email