نظام عالمي بلا مشكلات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو طُرح سؤال لأي إنسان في العالم، من غير المتخصصين بالشؤون السياسية والقضايا الدولية، ما السمة الغالبة لمنطقة الشرق الأوسط خلال نصف قرن مضى؟

أزعم أننا سوف نجد أن الإجابة لن تبتعد عن كونها منطقة أزمات، ومشاكل، وصراعات، وحروب، وخلافات سياسية، بل ربما يرى البعض أنها السبب الرئيس لعدم استقرار العالم، وقد يجتهد أحدهم ويزيد بأنها المنطقة التي ترسل المتطرفين فكرياً، وإرهابيين يهددون استقرار المجتمعات المسالمة باسم الدين.

جزء من الأسباب المذكورة أعلاه في عدم استقرار المنطقة والعالم صحيحة، لكن هناك جزء مهم، وجانب آخر، هو أن هذه المنطقة مهمة جداً، ومؤثرة في الاستراتيجية العالمية، لذلك نجد حالة التنافس الدولي من أجل التأثير على قرارات دولها، والرغبة بالسيطرة على مواردها الطبيعية.

وعلى الممرات البحرية التي تربط العالم ببعضه، وليس أدل على ما أقوله مما نراه اليوم في اهتمام الصين لتنفيذ مشروعها الاستراتيجي العالمي المعروف بـ«الحزام والطريق»، كذلك ما نراه من تلك العودة المخجلة للولايات المتحدة نحو ترتيب أوراقها بعدما اعتقدت في فترة ما أن أهمية منطقة الشرق الأوسط قد تراجعت وقلت.

وكحال أي إقليم جغرافي آخر في العالم، فمنطقتنا عانت من تدخلات الدول الكبرى نظراً لأهميتها الاستراتيجية وموقعها الجغرافي، وأثرت علينا سواء بسبب صراعها التنافسي البيني أو بسبب تحالفات الدول الإقليمية مع الدول الكبرى.

فإذا كانت إسرائيل حليفة استراتيجية للولايات المتحدة، فإن إيران مرتبطة بعلاقات قوية مع روسيا، أما الصين فتعتبر دولة منافسة جديدة في المنطقة وربما يختلف مدخلها عن الاثنين الكبار وهو المدخل التجاري.

حاجتنا إلى ما سبق استعراضه من أجل فهم حال ووضع هذه المنطقة التي بدأت تغير تلك الصورة النمطية التي لصقت بها خلال حقبة طويلة من التاريخ فهي اليوم تقود فكرة استقرار المنطقة بجهود ذاتية بينها قاعدتها الأساسية «تصفير المشكلات» بينها فنجد سيطرة لغة التفاهم والحديث عن مشروعات مشتركة بطريقة تؤكد لباقي دول العالم بأنهم جزء أساسي من أزمات المنطقة وبالتالي المطلوب من تلك الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تغيير أسلوب وطريقة إدارة علاقاتها مع دول المنطقة.

من يقود حالة تغيير صورة المنطقة هي دول مجلس التعاون الخليجي، وكما هو معروف والواضح والمؤكد أنها الأكثر استقراراً، والأكثر نمواً.

وما يؤكد ذلك قدرتها على استقطاب الاستثمارات الخارجية بالإضافة إلى تحقيقها العديد من مؤشرات التنمية الاقتصادية، كما أنها الأكثر تأثيراً في الدبلوماسية العالمية والتفاعل مع القضايا العالمية، وهي كذلك الأكثر استقبالاً للسياسيين العالميين للبحث عن حلول لأزماتهم.

بل أن دول مجلس التعاون الخليجي أثرت في تغيير مسارات دول إقليمية فصارت هناك دول تتبع النمط السياسي الخليجي في إدارة دولها، فالدول العربية غير الخليجية تحاول أن تدير حكوماتها مثل الدول الخليجية لأنها قدمت نموذج إدارة حكومية وسياسة متميز ورائد ومتفرد وكذلك الحال ينطبق على دول الجوار الجغرافي العربي.

هنا يمكننا القول إنه يمكن توسعة دائرة تصفير المشاكل لتنتقل من منطقة الخليج العربي لتصل إلى الإقليم العربي والجوار الجغرافي لتكون عالمية، وإلا ماذا تعني زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية إلى الصين أخيراً؟! كذلك ماذا يعني رفض حلف «الناتو» ضم أوكرانيا رغم إلحاح الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي؟!

علينا أن نعي أن مفهوم الخلافات بين الدول ليس ثابتاً بل هو متغير حسب الأوضاع الدولية والتطورات والمصالح، والمرحلة المقبلة في العلاقات الدولية سوف تكون مرحلة إعادة تقييم وجدولة للاتفاقيات والحلفاء والسعي إلى تصفير المشكلات.

*كاتب ومحلل سياسي

Email