لبنان يؤجل انتخاب الرئيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يحدث جديد في الجلسة البرلمانية التي انتظرها العالم كله وليس اللبنانيون فقط لسد الفراغ الرئاسي يوم الأربعاء الماضي (جلسة 14 يونيو) حيث فشل مجلس النواب اللبناني (البرلمان) في الاتفاق على اختيار جهاد أزعور أو سليمان فرنجية رئيساً للبنان ما يعطي انطباعاً بأن الحسابات السياسية الشخصية ما زالت تتفوق على التوافق الوطني مع أن الاتجاه العام في منطقة الشرق الأوسط كله يشير إلى الاتجاه نحو حلحلة الخلافات بين دول المنطقة بل وفي كل دولة أيضاً، حتى في اليمن على سبيل المثال هناك محاولات وأطراف تسعى لإيجاد حلول للأزمة اليمنية.

لم تكن نتائج الجلسة الثانية عشرة لمجلس النواب اللبناني مفاجئة للمراقبين والمتابعين للشأن اللبناني ولا حتى اللبنانيين أنفسهم المنتظرين انتخاب رئيس للبلاد طال انتظاره، ربما قد يستمر هذا الوضع إلى ما لا نهاية. مع وجود أحزاب يمكنها التأثير وتعطيل الجلسات البرلمانية عن طريق عدم اكتمال النصاب إذا رأت أن النتائج تتجه عكس أهدافها ورغباتها الضيقة المتعارضة مع المصلحة الوطنية.

وبالرجوع إلى الجمهورية اللبنانية فهذه ليست المرة الأولى التي تعاني فيه من شغور منصب الرئيس حيث إنها مرت بهذه التجربة في الأعوام (1988 - 2007 - 2014 – 2022)، وقد كان معتاداً أن حل الفراغ الرئاسي في الدولة اللبنانية يأتي من الخارج أي من الدعم الإقليمي والدولي، ولكن هذه المرة الأمر أتى مختلفاً عما سبق حيث لم يتعد الدعم التشجيع السياسي على إنهاء الأزمة، وهذا ربما يأتي لعدة أسباب مختلفة منها ما يتعلق إما بانشغالات الداخل لكل دولة أو التحديات التي تواجهها أو بالتصالح السائد ولملمة الخلافات وبالتالي التركيز على اهتمامات تنموية أي أن الواقع يقول إنه على اللبنانيين السعي والبحث عن حلول لأزماتهم السياسية بمفردهم.

ومع أنه من المستبعد في الأساس بأنه لو تم اختيار الرئيس فإنه لن يكون له دور حقيقي ومؤثر في إرساء التوافق بين القوى السياسية اللبنانية المتنافسة أو حتى تكون له القدرة على حل الأزمات الاقتصادية المتراكمة منذ عام 2019 أي منذ أربع سنوات، شهد لبنان خلالها انهياراً اقتصادياً أعتبره البنك الدولي أنه من أسوأ الأزمات والانهيارات الاقتصادية التي مرت على العالم وذلك منذ العام 1850.

وبالرجوع إلى نتائج جلسة 14 يونيو للبرلمان اللبناني، فقد كانت قيادات وحكومات الدول وكذلك المنظمات الدولية والإقليمية تتمنى أن يتم اختيار الرئيس حتى تتمكن من بناء قراراتها فيما يخص لبنان وشؤونه بوجود رئيس من شأنه أن يسهل عملية التعامل الخارجي معه والتفاهم بشأن كيفية انتشال الوضع الاقتصادي اللبناني من الحالة التي يعيشها، ولكن يبدو أن هناك من الأشخاص والأحزاب الذين لا يزالون يراهنون على الفوضى والعمل على استمرارها وترسيخها في هذا البلد، لأنهم لا يعرفون ولا يمكنهم أن يتعاملوا مع الاستقرار.

في الجانب الآخر، إذا نظرنا إلى التركيبة السياسية اللبنانية القائمة على نظام المحاصصة ربما يمكننا أن نعتبر بأنها أهم سبب في وجود الفراغات السياسية اللبنانية المتكررة خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة حيث بانت وأصبحت واضحة بشكل كبير، وذلك يعتبر نتيجة طبيعية بسبب صعود قوى حزبية سياسية تعتقد نفسها أنها تمثل المصلحة الوطنية اللبنانية، إلا أنه في الحقيقة يمكن القول بأن سيطرة فكرة الإفشال على العقل السياسي اللبناني لأي طرف آخر مضاد له هي كل المسألة مع أنه يفترض بل وينبغي أن يكون التوافق السياسي هو الطاغي في هكذا نظام.

لذا يجب علينا أن نكون واضحين وصريحين بالقول بأن السياسيين والزعماء اللبنانيين يحتاجون إلى التصالح والتوافق مع شعبهم من خلال الاتفاق على مرشح يعمل لتحقيق المصالح الوطنية العليا للبلد، فالخلاص لا يأتي من الخارج، وكل التجارب تؤكد أن الحلول لأزمات الأوطان تأتي من قبل أبنائها.

 

* كاتب ومحلل سياسي

Email