اللاعبون القدوة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى علماء النفس والمختصون في علم الأخلاق أن «القيم» شيء مهم في حياة أي إنسان بحكم أنها توجه وترشد السلوك الإنساني، فالقيمة مبدأ مجرد وعام للسلوك، يشعر الإنسان نحوه بالارتباط الانفعالي القوي، كما أنها توفر مستوى للحكم على الأفعال والأهداف الخاصة بالإنسان.

وتبني الشعوب قيمها وتعززها من خبراتها وتجاربها، ومن انتماءاتها والأرض المتعايشة عليها ومن الثقافة التي تسود حياتها. كما تستمد هذه القيم من الأسرة والأبوين، والأقارب، والأصدقاء، والمعلمين، والمربين، ووسائل الإعلام، وتستقر هذه القيم والمعايير في العقل الباطن. وتعكس القيم أهدافنا واهتماماتنا وحاجاتنا والنظام الاجتماعي والثقافة التي تنشأ فيها بما تتضمنه من نواحٍ «دينية واقتصادية وعلمية».

ويتفق المختصون أيضاً أن الأخلاق ليست مجموعة من القوانين المجردة، ولكنها أسلوب في التعامل مع الناس في مواقف الحياة العملية.. والتربية الأخلاقية الحقة ليست هي الوعظ والنصيحة فقط، وإنما هي، إتاحة فرص الحياة للطفل طبقاً للقيم الأخلاقية الموجبة داخل نطاق الأسرة.

فلا قيمة للتربية الأخلاقية إذا ما قامت على الوعظ والنصيحة فقط وفصلناها عن حياة الطفل الانفعالية، لأنها حينئذ سوف تتحول في حياة الطفل إلى ألفاظ جامدة لا روح فيها، أما إذا جعلنا الطفل يمارسها وعودناه على الحياة الجماعية القائمة على الأخذ والعطاء وحب الآخرين واحترامهم..

أصبحت الفضائل اتجاهاً في حياة الطفل تمتزج بمشاعره وتفكيره وسلوكه إلى أن ينضج ويصبح رجلاً مدركاً لما يدور حوله. ويكتسب الأبناء قيمهم وتعاليمهم الدينية من خلال الأسرة، فالأبناء مثلاً يتعلمون الصلاة وأداء الفرائض الأخرى عن طريق الأسرة..

وقد يبدأ الصغير في إقامة فرائض الصلاة عن طريق تقليده للوالدين في المنزل، ثم يتدرج فيما بعد أثناء مراحل نموه إلى أن يكتسب عن اقتناع عادة مهمة وهي الصلاة وغيرها من الشعائر الدينية، ويتم ذلك في إطار التنشئة الاجتماعية السليمة، فيتعلم الصغير عن والديه والمحيطين به حب الفضائل والطاعات «ونبذ الرذائل» وما شابه ذلك.

وتأسيساً على ما تقدم، وعبر ما تناقلته الصحافة والمواقع العربية والأجنبية، لقد أثار موقف لاعب «الزمالك»، و «جالاتا سراي التركي»، المصري مصطفى محمد المعار لنادي «نانت» الفرنسي.. حالة من التأييد والدعم الكبير من قبل جماهير الكرة العربية، بعد رفضه ارتداء شارة «المثلية»، وتأكيده أن ذلك ينبع من احترامه لمعتقداته وقناعاته، وبسبب جذوره وثقافته وقيمه الدينية التي تربى عليها..

وأوضح نادي نانت الفرنسي في بيان، «أنه تم توقيع عقوبة مالية على مصطفى محمد»، مشيراً إلى أنه سيتم التبرع بها للجمعيات العاملة في المجال نفسه للتأكيد على دعم النادي الفرنسي للمسألة ذاتها!

كما ذكرت أيضاً، شبكة «آر إم سي سبورت» الفرنسية أن 4 لاعبين بصفوف فريق تولوز رفضوا المشاركة في اللقاء للسبب ذاته.

وأوضحت الشبكة أن اللاعبين هم، المغربي زكريا أبو خلال، والجزائري فارس شايبي، والبوسني سعيد هاموليتش، والمالي موسى ديارا.

وقال نادي تولوز في بيان، «أبدى بعض اللاعبين من التشكيلة عدم رضاهم عن ارتباطهم بألوان قوس قزح الذي يمثل مجتمع الميم».

وأضاف: «في الوقت الذي نحترم فيه الاختيارات الشخصية للاعبين، وبعد نقاشات عدة، قرر نادي تولوز استبعاد اللاعبين من اللقاء».

وقد طلبت رابطة الدوري الفرنسي في الدرجتين الأولى والثانية من اللاعبين ارتداء قمصان عليها أرقام بألوان قوس قزح لدعم المثليين.

ويقول المغربي زكريا أبو خلال، (23 عاماً)، إنه رفض بالفعل المشاركة في المباراة، وأكد في بيان في حسابه على «تويتر» احترام الجميع، مطالباً الآخرين باحترام معتقداته.

عودة للقول: إنه وعندما تطالب المجتمعات الغربية. شبابنا من مجتمعاتنا العربية الإسلامية بدعم المثلية.. وإلا ستطالهم عقوبات مادية ومعنوية..!

إنما ندق ناقوس الخطر للتذكير بالمخاطر التي باتت تهدد، «قيمنا ومبادئنا الأخلاقية والدينية». ومن هذا المنطلق فالضرورة تحتم إعادة النظر.. تحديث التشريعات الاجتماعية المعنية، وتفعيل الاتفاقات الدولية ذات العلاقة..

وبناء شراكات مع الجمعيات المحلية والإقليمية والدولية، حتى يمكننا أن نتصدى للعديد من الوقائع والظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تهدد شبابنا وأسرنا في مجتمعاتنا العربية الإسلامية كافة..

والوقوف ضد الدعاوى التي تنادي بالمثلية الجنسية وإلغاء الأسرة أو تحجيم دورها الاجتماعي.. وهي توجهات انتشرت في العديد من الدول الغربية. ولفتت لها الأنظار منظمة الأسرة العالمية WFO في أحد مؤتمراتها التي عقدت في باريس.

«مليون تحية» لهؤلاء اللاعبين الذين رفضوا وبكل شجاعة تأييد ما يخالف قيمهم الأخلاقية التي تربوا عليها منذ نشأتهم.. حقاً إنهم اللاعبون القدوة لجيل الحاضر والمستقبل.

* كاتبة إماراتية

Email