مع هدنة جدية بدأت صباح اليوم، ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة: هل ستصمد هذه الهدنة هذه المرة؟ وإلى أين يسير السودان؟ وما المطلوب لوقف دائم لإطلاق النار؟ وما مخاوف إطالة أمد الحرب؟
وكيف يواجه الشعب السوداني الارتفاع المتلاحق للأزمات الإنسانية والاقتصادية جراء هذه الحرب؟
علامات استفهام عدة تفرض نفسها وسط مشهد ضبابي يحلق بالسودان دون أفق لانفراجة.
السودان دولة مهمة جغرافياً وتاريخياً وحضارياً، وعدم استقراره يمثل خطراً كبيراً على الإقليم الإفريقي، وإطالة أمد الحرب يلف حزام الزلازل السياسية، ويزيد من مساحات التأزيم.
اللعبة كبيرة، السودان بات أمة في خطر، فاض الكيل لدى شعبه، نزيف الخسائر أضحى مرعباً على كافة الصعد، إذ تسجل الأرقام نحو مليون ونصف المليون نازح سوداني، ونصف مليون فروا إلى بلدان مجاورة، من بينهم مائة وخمسون ألفاً استقبلتهم الدولة المصرية، وإن ثلاثة عشر مليوناً ونصف المليون طفل بحاجة للمساعدات الإنسانية العاجلة المنقذة للحياة.
وفقاً لأحدث بيانات منظمة اليونيسيف، غير أن الأمم المتحدة توقعت أن أكثر من ثلث السكان في السودان سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، في عام 2023، بسبب زيادة النزوح والجوع.
التوقعات المستقبلية تزيد منسوب المخاوف، فوكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، تتوقع تدمير البنية التحتية الاجتماعية والمادية، وهناك عواقب اقتصادية دائمة على السودان في حال استمرار الحرب، ومن شأنها التأثير على البنوك الإقليمية التي تستعين بها السودان في التمويل، وكذلك رفع نسبة القروض وتأثر معدلات السيولة في بنوك البلاد.
لا شك أن استمرار الحرب سيقود إلى انهيار تام، ربما تكون له نتائج كارثية على مجمل الأحوال الاقتصادية والمعيشية، مما يزيد من قتامة المشهد.
الأوضاع على الأرض تزداد تعقيداً، الخوف كل الخوف أن تطول هذه الحرب، وتتحول إلى مشاهد اعتيادية، وتدخل في طي النسيان، وتقودنا إلى نفق الحروب الأهلية التي عصفت في غفلة من الزمان بخرائط عربية لا تزال تعاني أعراض هذه الحرب.
فليس بعيداً عنا نموذج الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، والتي استمرت لمدة 15 عاماً، وها هي ذاكرة العراق تتحدث عن أثمان باهظة لدورات عديدة من الحروب، وأيضاً لا نحتاج إلى من يذكرنا بالحرب في سوريا وليبيا، ذلك النوع من الحروب التي باتت شيئاً عادياً، تتناقلها وسائل الإعلام، وعاماً تلو الآخر صارت أخبارها تقليدية ونمطية.
كل هذه الحروب غيرت وجه الأراضي التي دارت عليها، وأربكت حسابات شعوبها، ودمرت البني التحتية لها، وأفقدتها أوزانها الاقتصادية، وأهدرت مواردها البشرية، ولا تزال آثارها السلبية عائقاً أمام استعادة هذه العواصم لعافيتها.
هذه النماذج والتجارب من الحروب التي تم نسيانها لسنوات طويلة تدفعنا لدق ناقوس الخطر، بشأن الحرب في السودان الشقيق، خوفاً من أن يطول زمن هذه الحرب، وتصبح نسياً منسياً، وتتسع لتصبح حرباً أهلية، ربما لا نعرف نهاية مطافها، وهنا لا بد من نظرة ووقفة مستوجبة، تتطلب تضافر كل الأطراف السودانية الفاعلة من أجل مداواة الجراح، وإسكات البنادق.
والعودة إلى صوت الحوار، وقيم التسامح والتعايش، وإعلاء المصلحة الوطنية للدولة، فلا شك أن السودان بمفهومه الوطني هو الخاسر الأول من هذه الحرب.
اللحظة كاشفة، وعلى كل المكونات المتصارعة أن تدرك أن استمرار هذه الحرب سيقود الدولة ومؤسساتها إلى الهاوية، وسيفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، والهجرة غير الشرعية، والتهريب وتجارة المخدرات، وسوف يُعيد إحياء وانتشار الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
الآن وقبل أن يدخل السودان العظيم في مساحات يصعب الخروج منها، أستطيع القول إن الفرصة لا تزال قائمة لإنقاذ الدولة وشعبها، لكنها فقط تحتاج إلى الإرادة والعزيمة والتضحية من الأطراف الفاعلة في معادلة الحرب.. فالوقت لن يكون في صالح أحد.. والتاريخ لن يرحم.
* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»