القمة العربية والأمن الغذائي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت القمة وانتهت.. قمة عربية لها بصماتها الجديدة، الأجواء إيجابية والمؤشرات فاعلة، والإنجازات تتحدث عن نفسها، فللمرة الأولى تأتي القمة الثانية والثلاثون على جسر الوفاق العربي، في ملفات ربما ظلت معقدة ومفتوحة طوال أكثر من عقد مضى.

طاولة القمة حجزت هذه المرة مقعداً للدولة السورية الشقيقة، بعد أن غابت منذ نوفمبر عام 2011. وهو تطور لافت للنظر ومهم، سيما أن القمة جرت وسط قواعد جديدة وقاموس عربي مختلف، وهو ما يمكن أن نطلق علية الانتقال من مرحلة التفاهم إلى مرحلة التفهم.

ثمة ملاحظات أخرى أدونها على هذه القمة، يأتي في مقدمتها التعاون غير المسبوق، والتقارب اللافت للنظر في وجهات النظر بين العرب حول القضايا الفاصلة، فهناك رغبة باتت واضحة لدى القادة العرب، وأيضاً على المستوى الوزاري، في نفض غبار سنوات العقد الماضي، الذي شهد مقاومة الخلاص من الفوضى والتخريب، وأثار ما يسمى بالربيع العربي. هذه القمة عكست موقفاً عربياً جديداً، ينطلق من إدراك للمتغيرات الدولية الإقليمية، ويؤكد إرادة عربية للحفاظ على الأمن القومي العربي، ومقدرات الشعوب ومؤسسات الدولة الوطنية، فضلاً عن أن تفاصيل القمة، أكدت التفاهم العربي الذي قاد إلى تقارب وقوة غير مسبوقة في التحاور السياسي بين العرب، فقد لاحظنا تقديراً كبيراً لخصوصية كل دولة، واحترام مواقفها السياسية، ومواقفها العامة، وبات القادة العرب يداً واحدة، وصوتاً واحداً في تحديد مستقبل شعوبهم وسط التحديات الكبرى التي تواجه العالم، وأيضاً وسط نظام عالمي جديد، يتشكل بقواعد مختلفة عن النظام السابق.

العرب أدركوا ذلك في اللحظة المناسبة، واستثمروا قدراتهم غير المحدودة في صناعة القرار الذاتي دون تدخلات خارجية، على مختلف الأصعدة، وصاروا عنصراً للتوازن العالمي في جميع القضايا، بما فيها الملفات ذات التأثير القوي على المستوى الدولي في مثلث الأمن القومي، والأمن الغذائي والطاقة.

واحدة من أضلاع هذا المثلث العربي، تأتي قضية الأمن الغذائي التي حظيت باهتمام بالغ في نقاشات القمة على مختلف مستوياتها، لاسيما أن الأمن الغذائي فرض نفسه بقوة على معدلات الاستقرار والحسابات السياسية دولياً وعالمياً وإقليمياً، فقد كشفت جائحة كورونا، ضرورة أن تكون هناك رؤية استراتيجية عربية مشتركة لتأمين الشعوب العربية غذائياً، وزاد من الحاجة لهذه الرؤية الحرب الروسية - الأوكرانية التي قادت إلى عواصف وأعاصير اقتصادية عالمية، وانعكست، خصوصاً على الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد، والتبادل التجاري بين الدول، الأمر الذي جعل العرب يغيرون حساباتهم تجاه هذه القضية، والسعي الحثيث نحو بناء منظومة قوية تحمي وتصون الأمن الغذائي العربي، وهنا أتذكر ما ناقشته قمة الجزائر العام الماضي، حيث وافقت على عدد من الخطط، منها على سبيل المثال، البرنامج المستدام للأمن الغذائي العربي، والوثائق المكملة له والاستراتيجية العربية للتنمية الزراعية المستدامة، ومبادرة تحسين النوعية التكنولوجية للقمح المنتج عالمياً، واستدامة المراعي العربية وغيرها.

فضلاً عن أن هذه القضية، ستكون حاضرة بقوة على طاولة النقاش خلال القمم العربية المقبلة، ومنها أعمال الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية «الاقتصادية والاجتماعية» المقرر أن تستضيفها موريتانيا قبل نهاية 2023.

إذن، نحن أمام قضايا ضاغطة ومهمة على طاولة هذه القمة العربية والقمة المقبلة، تتطلب منا نحن العرب تكثيف الجهود للتوصل إلى حلول مستدامة، من شأنها تعزيز العمل العربي الاقتصادي والاجتماعي، وفق خطط عمل قابلة للتنفيذ، ويحكمها أفق زمني واضح، لاسيما أن قضية الأمن الغذائي باتت الرقم الصعب في الحفاظ على الأمن القومي بمنظوره الواسع، ومن ثم معادلات الاستقرار والاكتفاء الذاتي للشعوب العربية.

 

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email