إفطار مع وزير الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من النافذة تأملت النيل، وهو يستقبل غروب الشمس، كنتُ ونخبة من كبار المفكرين والكتاب والمثقفين، في دعوة إفطار مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، كانت القضايا كثيرة، العالم يسابق الزمن في إنتاج الأحداث، الفضول الصحفي لن يفوت جلسة على رأسها وزير الخارجية، الفرصة مهمة، الأسئلة تدور في أذهان الحضور حول مختلف القضايا.

سألت وزير الخارجية: كيف ترى مبادرة المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي، بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا هذا العام؟

أجاب: منذ اللحظة الأولى أصدرت وزارة الخارجية بياناً، أوضحت فيه الموقف المصري، وتضمن أسفاً نحو تشجيع مجلس الأمن، مبادرة تهدف إلى تشكيل فريق ليبي رفيع المستوى للمتابعة والإعداد للعملية الانتخابية في ليبيا، في افتئات واضح على دور المؤسسات الليبية الشرعية والمنتخبة، وهذا من شأنه أن يزيد حالة الانقسام على الساحة الليبية، ويقوض فرص إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أسرع وقت، في إطار توافق داخلي.

انتهى كلام وزير الخارجية حول سؤالي، استمعت جيداً، ثم طرحت على نفسي مجموعة من الأسئلة: ما مستقبل هذه المبادرة؟ وهل ستقبلها الأطراف الليبية؟ وما المطلوب فعله من جانب الليبيين أنفسهم حتى يقطعوا الطريق أمام أية تدخلات خارجية؟

لا شك أن هذه المبادرة لم تأت بجديد عما تم طرحه في المفاوضات التي دارت طول الفترة الماضية بين مجلس النواب وبين مجلس الدولة، وكادت تصل إلى نتائج إيجابية، وبالتالي، فإن مبادرة باتيلي، قطعت الطريق أمام مساحات التوافق التي وصل إليها مجلسا النواب والدولة، الأمر الذي أصاب المفاوضات بالجمود، وأثار مخاوف كبيرة لدى الأطراف الليبية الفاعلة، لاسيما من تصريحات باتيلي التي ترى انتهاء شرعية بعض المؤسسات الليبية، وأنه يريد تشكيل لجنة رفيعة المستوى تحت إشراف البعثة الأممية، لتتولى إدارة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهنا علينا التوقف أمام هذه الرسالة التي قرأها الليبيون، بأنها تتجاهل المؤسسات الوطنية الليبية، وأنها تتجاوز السيادة الليبية، وأن هذه المبادرة لها منطلقات غير واضحة الرؤية والمعايير في اختيار المشاركين في اللجنة، فضلاً عن أنها تزيد الفجوة بين الأطراف الليبية، خصوصاً أن هذه المبادرة ترتكز على اتفاقية الصخيرات التي وقعت في ديسمبر 2015، وانتهت في نهاية عام 2017، وكانت عنواناً للخلافات الليبية، فضلاً عن أن الليبيين يرون أن هذه المبادرة، بمثابة تكرار للفشل السابق خلال اختيار البعثة الأممية للجنة «75»، التي اختارت سلطة تنفيذية لم تلتزم بخارطة الطريق التي انتهت في 24 ديسمبر 2021، الأمر الذي قاد إلى مزيد من الإرباك وتعقيد المشهد السياسي.

إذاً، وسط ردود الأفعال المتباينة لهذه المبادرة، ثمة سؤال يطرح نفسه: كيف يتم الخروج بحكمة من هذا المشهد؟

التقديرات تؤكد أهمية العمل على مسارين مهمين، المسار الأول: يرتبط بضرورة التوافق والتماسك بين الأطراف الليبية الفاعلة، حتى لا يتم سحب البساط من تحت أقدامهم، وتتمكن أطراف خارجية من السيطرة على خلق مساحات من النفوذ والتأزيم، لا يصب بالتأكيد في مصلحة الاستقرار الليبي، وسيكون على حساب دور المؤسسات الليبية الوطنية، وذلك لأهداف ربما تكون غير مرئية، أما المسار الثاني: فيتعلق بضرورة عدم القبول بأية مبادرات لا تستند إلى أهداف، وأدوات وطنية، وأنه من غير المقبول التعاطي مع أي مبادرة لا تبنى على ما تحقق من مساحات مشتركة، مثلما شاهدنا بين مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة، أو اللجنة العسكرية 5+5، فمن دون هذين المسارين ستظل أية مبادرة مقترحة مجرد نقش على الماء.

 

*رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

Email