قبسات

أخلاق الصائمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

رمضان مدرسة إيمانية تربوية أخلاقية، تربي المسلمين على التقوى، فتزكي نفوسهم، وتحفظ جوارحهم، وتسمو بأخلاقهم، وتشحذ عزائمهم، وتصونهم من الوقوع في الزلات، وتعصمهم من السقوط في براثن الشهوات، وقد جمع الله سبحانه هذه المعاني في بيان غاية الصوم بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

ولذلك سمَّاه النبي، عليه الصلاة والسلام، شهر الصبر، وقد قصَّر كل من يتوقف في صيامه عند ترك الطعام والشراب والجماع، ولم يتعدَّ بصومه إلى سائر الجوارح والأعضاء، وصولاً إلى صيام الفكر والقلب عما سوى الله تعالى. وقد ورد في الحديث الشريف: «ليسَ الصيامُ منَ الأكْلِ والشرْبِ، إِنَّما الصيامُ منَ اللغوِ والرفَثِ».

ورمضان دورة تدريبية مكثفة، يتعلم فيها المسلم كيف يمتنع عن المباحات طائعاً راغباً، ليتمكن من كبح جماح نفسه عند الشهوات، وتعويدها على غض الطرف عن المحرمات. وذكر الإمام ابن حجر العسقلاني أنَّ العلماء «اتفقوا على أن المراد بالصيام صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً».

فالصائم لا يتحدث إلا بالصدق، ولا ينطق إلا بالخير، ويحمل نفسه على ترك الكذب والخيانة وشهادة الزور وغيرها، كي لا تنتفي معاني السلوك البنَّاء من ممارسته عبادة الصوم، وإلا ذهب صيامه هباءً لا قيمة له ولا وزن، فقد جاء في الحديث الشريف: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

والصائم يصون لسانه عن اللغو في القول، والفُحش في الكلام، ويتجنّب الجهل والرفث والفسق، فلا يُضيّع وقته في مجالس السوء والنميمة، ولا يدفعه سوء أدب الآخرين معه واستفزازهم له بالقول والعمل إلى التفوه بالكلام الفاحش معهم والتلفظ بالعبارات البذيئة تجاههم، بل يسارع إلى استشعار معنى الصوم وحقيقته.

والصائم لا تضعف همَّته، ولا تخفت عزيمته، فتراه هادئ النفس مطمئن البال، متحكماً في أعصابه، كاظماً غيظه، فلا يجهل على زوجته وأولاده، ولا يصرخ في وجوه الناس ولا يخاصمهم.

والصائم يستجيب لنداء المنادي: «يا باغي الخير أقبل»، فيجتهد في صنوف الخير، ويوسع على أهله وعياله، ويكرم ضيوفه وجيرانه، ويصل أقرباءه وأرحامه، ويسعى في قضاء حوائج الناس.

والصائم يستشعر شعور الجوعى والمحرومين، فيقدر النعمة التي أكرمه الله بها، ويسهم في رفع معاناة أولئك المحتاجين، وهو يعلم أن الجزاء من جنس العمل.

وهكذا نجد أن الصيام يجمع بين التقوى وحسن الخلق، وقد جمع بينهما النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «اتَّقِ اللهَ حيثما كُنْتَ، وأتبِعِ السيِّئةَ الحَسَنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسَنٍ».

* واعظ أول - إدارة التثقيف والتوجيه الديني في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

Email