الصين.. مسيرة نحو مستقبل أكثر تألقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتميز فصل الربيع من كل عام بكونه موسم الذروة في الروزنامة السياسية للصين، ذلك أنه يشهد بدء دورة الانعقاد السنوية لكلٍ من «مجلس الشعب الصيني» و«المؤتمر الاستشاري السياسي الشعبي الصيني»، واللذين يحضرهما آلاف الأعضاء من أنحاء الصين كافة.

ومنذ قدومي إلى بكين سفيراً لدولة الإمارات في الصين، كان لي دوماً شرف حضور مراسم الافتتاح والختام لهذا الحدث السياسي المتميز، لعدة أسباب ليس أقلها أهمية أن هذا الحدث يشهد كشف النقاب عن الخطة التي ستنتهجها الصين على مدار العام لتنفيذ سياستها الطموحة.

وحينما وقفت أمام واجهة مبنى «قاعة الشعب الكبرى» في بكين منذ عدة أيام، لم يكن شعوري بالإعجاب يقل عن شعوري نفسه حينما وقفت أمام المبنى أول مرة عند بداية عملي سفيراً للإمارات في الصين. وطوال فترة عملي هنا، أشاهد الصين وهي تصنع التاريخ عبر تقدمها الذي لا يوقفه أحد واستراتيجيتها المدروسة بعيدة النظر.

لقد كان العام الماضي زاخراً بالتقلبات والاضطرابات، إلا أن الصين نجحت في توفير استقرارها وتحقيق نجاحات وانطلاقات كبرى جديرة بالثناء. ويبدو واضحاً على نحو غير قابل للشك أن الصين ستُضاعف هذه النجاحات والانطلاقات، بعد أن خرجت منتصرة من معركتها التي استمرت ثلاث سنوات ضد جائحة «كوفيد 19». وكما أكدت الحكومة الصينية في أحدث تقاريرها «تقرير عمل الحكومة»، فقد نجحت الصين في الاحتفاظ بمؤشرات اقتصادية لافتة طوال عام 2022، حتى في ظل الظروف بالغة الصعوبة على نحو مذهل والتي اعترضتها على مدار العام.

وبالنظر إلى مدى التعقيد والتغيرات التي سادت البيئتين الداخلية والخارجية طوال 2022، فإنه لأمر مبهر بالفعل أن تظل الصين قادرة على تحقيق نمو بنسبة 3% في ناتجها المحلي الإجمالي، ونمو آخر بنسبة تبلغ نحو 8% في الحجم الإجمالي لتجاراتها في العام، مع الإبقاء في الوقت نفسه على معدل البطالة بين سكان الحضر عند 5.5%، من دون ارتفاع.

وإذا تجاوزنا الحديث عن الرخاء الاقتصادي، فسنجد أن إنجازات الصين في تعزيز أمنها الغذائي، الحفاظ على استقرارها المالي، وتحسين مستويات الرفاهية الاجتماعية لشعبها، وإسراع وتيرة التنمية الخضراء، وغيرها من الإنجازات في العديد من القطاعات الأخرى، تُعد دليلاً دامغاً على كفاءة الاستراتيجية التي تتبناها الصين ونجاحها في بلوغ أهدافها. لقد كنت شاهداً بصفة شخصية على التحول الاستثنائي الذي أحدثته الصين في مسيرة تنميتها بفضل انتهاجها سياسة الانفتاح على العالم. وأتوقع أن عودة الصين مجدداً لانتهاج هذه السياسة في حقبة ما بعد «كوفيد 19» ستسجل أكبر قصة نجاح اقتصادي في العام المقبل.

لا تزال الصين المحرك لنمو الاقتصاد العالمي. وعليه، وبالنظر إلى الآفاق غير المطمئنة حيال أداء الاقتصاد العالمي، فإن إعادة فتح الصين حدودها جاءت في الوقت المناسب تماماً، وباتت أشبه بالموجة التي سترفع القوارب المُهددة بالغرق وتعيدها مجدداً إلى وضع الطفو.

وحينما نتحدث عن عودة الصين إلى نشاطها الاقتصادي المعهود، ثم اكتساب تجارتها الدولية الهائلة مزيداً من الزخم، يتعين علينا هنا التذكير بحقيقة أن الإمارات تبقى شريكاً رئيساً للصين. ونحن نتطلع إلى المزيد من التعاون معها وتحقيق نجاحات أكبر في توطيد علاقاتنا المتينة أصلاً في الأعوام المقبلة. وتُعد الإمارات أكبر شريك للصين في التجارة غير النفطية على مستوى المنطقة، فيما تُعد الصين الشريك الأكبر للإمارات على الإطلاق.

وفي الأعوام الخمسة الأخيرة، بلغ الحجم الإجمالي للتجارة بين البلدين 234 مليار دولار. وباستكمال «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين البلدين، أعتقد أن بلوغ حجم التجارة البينية في ما بينهما 200 مليار دولار سنوياً سيصبح هدفاً واقعياً بصفة كلية.

 

* سفير الإمارات لدى الصين

المقال منشور في صحيفة «تشاينا ديلي»

ترجمه بتصرف: سيد صالح

Email