تحديات الإعلام كانت حاضرة في القمة العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر من ورشة كانت مخصصة لمناقشة هموم الإعلام ومشكلاته والتحديات التي يواجهها، مع أن هناك ملتقى سنوياً عن الإعلام يحضره العديد من أهل الاختصاص والخبراء، ولكن حضوره في ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات دليل على أهميته وموقعه وتأثيره في الملفات الاستراتيجية التي على الحكومات والمجتمعات الاهتمام بها وعدم اعتبارها ملفات هامشية يمكن القفز عليها وعدم الالتفات لها وكان من حسن حظي حضوري منتدى مستقبل الإعلام الحكومي والذي نظم ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات 2023، وأعتقد أن الرسائل والهموم والتحديات التي تمت مناقشتها ضمن جلسات المنتدى تكفي لتعميمها على باقي القضايا لأنه بطريقة أو أخرى سنجد أنفسنا نناقش المشكلات نفسها وربما بتفاصيلها نفسها.

ناقشت إحدى ورش المنتدى موضوع «الإعلام العربي.. بين التجديد والتقليد»، وهو موضوع رغم أنه أُشبع بحثاً وكلاماً ونقاشاً إلا أنه لا يزال حاضراً ويطرح نفسه في كل ملتقى، ولكن الجميل والرائع في هذه الورشة أن نجد رأيين مختلفين من واقع أن كل طرف يدافع عن الإعلام الذي يمثله، بل الأجمل لغة الاختلاف بين المتحدثين.

كما ناقشت ورشة أخرى «التجارب الخليجية في الاتصال الحكومي.. هل وصلت إلى مرحلة الاحترافية؟» في البداية يتبادر في الذهن عند ذكر الاتصال الحكومي على أنه الإعلام الذي يتحدث باسم الحكومة ويبرز إنجازاتها ويتولى إيصال رسائلها إلى الجمهور، وهذا يتوافق مع تعريف الأدبيات العلمية التي تعرّف الاتصال الحكومي بأنه الجهود التي تبذلها الحكومة عبر توظيف استخدام البيانات والمعلومات المتاحة لديها للتأثير في معارف وسلوكيات أفراد المجتمع بما يحقق أهدافها وطموحاتها.

وبالتالي ما تم طرحه من قبل الضيفين وباعتبارهما مسؤولين خليجيين حكوميين يؤكد لنا أن الوعي الخليجي في استيعاب التحديات المقبلة من الإعلام الخارجي صار أكثر تفهماً ومعرفة بالنهج الغربي الذي يحتاج إلى فهمه قبل الرد عليه من خلال تصنيف اتجاهاته، فلا يمكن أن نعتبر كل ما يتم تغطيته عبارة عن استهداف ومؤامرات إعلامية ضدنا، فعلى سبيل المثال هناك مؤسسات إعلامية أجنبية تعمل وفق أجندة معينة لتحقيق مصالح داخلية أو حزبية.

فالغرب لديه إعلام محايد وموضوعي ويقلق على مهنيته لكن في المقابل هناك إعلام أصفر يقوم على اختلاق الأكاذيب والقصص الإخبارية وهو أحياناً يكون تأثيره أقوى من الإعلام الرصين من واقع أن الإعلام الأصفر أو الدعائي (بروباغندا) أكثر انتشاراً، لكن هنا علينا نحن كإعلام حكومي عربي وخليجي بصفة خاصة وكذلك كشعوب ومجتمعات ألا نتأثر بما يطرح، بل علينا أن نثق بإعلامنا المحلي الرصين الذي هو الآخر صنع لنفسه مصداقية ومكانة في التغطية الإعلامية الموثوقة.

النقطة التي ينبغي ألا تمر علينا دون أن يلتفت عليها أحد ما تم ذكره من أحد المتحدثين أنه لا يوجد إعلام حر بالمطلق وإنما هناك حرية إعلامية مسؤولة، لذا فإن الخروج عن النص الموضوعي وعن القيم الإعلامية الرصينة والمهنية الإعلامية التي تتوافق مع المجتمع تعرّض صاحبها للمساءلة القانونية. بالتأكيد النقد الموضوعي مطلوب ولكن التمسك بالمهنية الإعلامية والاحتفاظ بالخطوط الحمر للوطن لا يمكن الخروج عليها تحت بند الحرية الإعلامية.

لا يمكن تجاوز الإعلام في أي مناسبة ثقافية أو مؤتمر مهما بلغ مستواه، فهي السلطة الرابعة وأحياناً الأولى في مواقع كثيرة، خصوصاً في حال مارست دورها التوعوي مثلما حدث في أخطر تحدٍ واجهته المجتمعات العربية والعالمية، وهو الإرهاب. جاءت فترة أن الإعلام العربي تم تجاهله ولكن اليوم عادت مكانته في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ما يعني أن الاتصال الحكومي يعد بوصلة وموجهاً للإعلام الخاص.

اليوم نحن أحوج إلى الاتصال الحكومي من أي وقت مضى، خصوصاً في مسألة تصحيح الانطباعات المكونة عن الدول العربية والخليجية بوجه أخص، وذلك انطلاقاً من فرضية أن الإعلام الغربي ينتقد عدداً من تجارب هذه الدول، ولكن ما جاء في طرح الضيفين يؤكد أن مكانته مهمة، خصوصاً عندما يكون من يخدم في هذا المكان يدرك العقلية الإعلامية الغربية التي لا تؤمن إلا بلغة الأرقام والبراهين.

 

* كاتب ومحلل سياسي

Email