سوناك يبحث عن الأصدقاء والنفوذ

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبحث بريطانيا عن سياسة خارجية جديدة. كانت ثمّة فانتازيا من وحي خيال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، في شأن عصر جديد للسياسة الخارجية البريطانية في زمان ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست». وكان جونسون يُطلق على هذه الفانتازيا وصف «بريطانيا العالمية»، إلا أنها ذهبت بذهاب جونسون نفسه ومغادرته مبنى «10 داونينغ ستريت» في السادس من سبتمبر الماضي. وجاءت الأزمة الأوكرانية الروسية لتفرض على الحكومة البريطانية إعادة صوغ سياستها الأمنية والدفاعية. وعليه، فإن المهمة الأولى المُلقاة في الوقت الراهن على عاتق رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناك، استعادة بريطانيا مكانتها الدولية. يمكن أن يدعي سوناك الفضل لنفسه في بعض التقدم الذي تحقق في هذا الشأن منذ أن تولى منصبه قبل ما يزيد على 100 يوم، ولكن هذا التقدم لن يساوي شيئاً في نهاية الأمر، ما لم ينجح سوناك في إعادة علاقة بلده بالاتحاد الأوروبي إلى مستوياتها التي كانت قبل «بريكست».

إن حقيقة «بريطانيا العالمية» التي حلم بها جونسون أن بريطانيا تعاني انعداماً عميقاً للثقة بها في مراكز الثقل في الاتحاد الأوروبي، وهي: باريس، وبرلين وبروكسل. وفي الوقت نفسه، فإن خلافات جونسون العنيفة مع بروكسل في شأن ترتيبات التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية، تزامنت مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض وإغلاقه أبوابه في وجه بريطانيا. وحينما ترك جونسون منصبه، بدت خليفته ليز تراس التي لم تستمر في «10 داونينغ ستريت» سوى 44 يوماً فقط، غير مكترثة باكتساب أصدقاء أو نفوذ، بقدر اكتراثها، طوال مدة ولايتها القصيرة الكارثية، بتحديد ما إذا كان الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، صديقاً أو عدواً.

رسالة للعالم

والآن بعد أن تولى سوناك منصب رئاسة الوزراء، فإن «10 داونينغ ستريت» يبعث برسالة إلى العالم مفادها أن بريطانيا تسعى لاستعادة مكانتها في خريطة العلاقات الدولية. ويتعين على سوناك من أجل بلوغ النجاح في هذا المسعى، أن يجدد صداقات بريطانيا التي تعرضت للكثير من الشرخ في السنوات القليلة الماضية.

وثمّة إشارات مبشرة بالخير في هذا الشأن. ومن أبرز هذه الإشارات، أن سوناك فتح قناة للمفاوضات مع بروكسل لإنهاء حالة النزاع التي بدأت بينها وبين لندن بعد «بريكست». وبالتزامن مع ذلك، بدأ سوناك محاولات للتقارب مع ماكرون، وتمخض عن ذلك قرار باريس استضافة قمة فرانكوبريطانية الشهر المقبل، وهي القمة الأولى من نوعها منذ ما يزيد على خمس سنوات، وتحديداً منذ يناير 2018. وبعد القمة، من المتوقع أن يُجري الملك تشارلز الثالث زيارة رسمية إلى فرنسا.

يخفي هذا التقارب الفرنسي البريطاني تحت السطح عقوداً من الخصومة بين البلدين، بعد أن تبين لهما أن مصلحتهما المشتركة في الوقت الراهن تقتضي أن يتقاربا، فكلاهما قوة نووية، وكلاهما يشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن. وعليه، يرى كل من البلدين نفسيهما أعلى من باقي حلفائهما الأوروبيين. كلا البلدين مستعد لإرسال قواته المسلحة إلى مناطق الصراع، إلا أنهما يعانيان تحمل فواتير ذلك في ظل ظروف اقتصادية عصيبة تمر حالياً بكليهما.

وتُلقي «اتفاقية لانكستر هاوس»، المبرمة بين بريطانيا وفرنسا قبل «بريكست»، وتحديداً في عام 2010، بظلالها على هذا التقارب، ذلك أنها فتحت الطريق أمام العمل المشترك بين البلدين لتحديث قوة الردع النووي لدى كل منهما. وعلاوة على ذلك، ثمّة الكثير من أوجه التعاون في مجال القوة العسكرية التقليدية، وكذلك الدفاع والأمن الداخلي بين البلدين، بموجب الاتفاقية. ومن جانبه، يعتمد سوناك على نوايا فرنسا الحسنة في خفض تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى بريطانيا عبر «القنال الإنجليزي» في قوارب صغيرة.

 

* محرر لدى صحيفة «فاينينشال تايمز» البريطانية

ترجمه بتصرف: سيد صالح

Email